samedi 19 mars 2011

الله رئيساً..!!


في مكانٍ بعيدٍ، في خلية من خلايا مخي الأثير، اجتمعت شخصيات هذه الرواية وأسسوا دولة، وعلى إثرها تجمعت وتشابكت أحداث الرواية، مع العلم أن معظم  الشخصيات من المختلّين عقلياً، يغيرون من إنتمائتهم، وأخلاقهم، وقناعتهم بالأشياء، بل وحتى موقع الدولة في عقلي النفيس، يغيروه من خليةٍ لأخرى، وكتبعات لذلك تتغير التركيبة المنطقية، ولذلك لا أنصح العقلاء بقراءتها وإنما هؤلاء من ذوي البرج الطاقق.

خرجت مجموعة من الأفكار، تاركة خليتها الأم وموطنها، كإعتراض وتصريح منها على سوء طريقة تفكيري وإختلالي العقلي، الذي لا يسمح لها بالمكوث في مكانٍ واحدٍ لأكثر من ثلاثة ثوانٍ، حتى أحركها وأنقلها وأقلب رأسها على عقبها. سمعتْ فكرة عن قريبتها تلك التي تسللت بين خلايا عقلي واستقرت، وإنها في أتم صحة وفي خير حال، فقررت في ليلة مشمسة، نعم، ليلة مشمسة، ألم أحكِ لكم عن إختلال عقلي؟ المهم إنها قررت جمع إحتياجاتها في بُقجة والهروب عن هذه الخلية إلى خليةٍ أفضل، فخرجت وأراحت البُقجة على كتفيها أسفل رأسها الكبير الذي يذكرني بشخصية أقلام بيك ذوي الرأس الكبير الأسود الخالي من الملامح، بدأت الفكرة تجاهد وتعافر في الخروج بين ثنايا عقلي المتشابك، لتبحث عن دربها الخاص.

وصلت الفكرة إلى مكانٍ خالي، وجدت به الشمس في الصباح، تتعاقب مع القمر في الليل، وأعلنت أن هذا هو موطنها، وما أن استقرت حتى استقبلت فكرة أخرى من هؤلاء السالف ذكرهم، ومع كثرة تهافت الأفكار على أرض الميعاد التي لم يعد بها أحد، اقترحت بعض الأفكار انشاء دولة منظمة ذات قوانين ودستور ورئيس، بل وحتى جيش ليمنعوا وصول الأفكار الغير منطقية من بقية جنسهم عن الوصول إليهم.

بدأت الأفكار في تنفيذ مخططاتها في حين كان الشغل الشاغل، من منهم يصلح أن يكون رئيساً ؟ فكلهم متساوون، كلهم خرجوا من نفس العقل، كلهم من ذوي روح التمرد، كلهم من نفس الأصل الغير منطقي لعقلي، فقامت مشادة كان حاضرها الشيطان نفسه، ولما لا؟ أليس كل هذا يحدث في عقلي؟ فليحضر الشيطان بنفسه إلى عقلي إن أردت. هنا تدخل الشيطان وقرر ترشيح نفسه لرئاسة تلك الدولة القوية المكونة من الأفكار العاقلة المستقيمة المتبقية مني.اختلفت الأفكار على أهلية الشيطان لقيادتهم، فمنهم من رحب على أساس أن الشيطان شاطر ، ومنهم من رفض كخلفية فكرية عن إتجاهات الشيطان وإهتماماته، وشَكّهم في صلاحية هذا الشخص لقيادتهم، وقرروا ترشيح أنفسهم أمامه والقيام بإنتخابات ديموقراطية عادلة.

اختار الشيطان بعض الأفكار التي تمثل جانب الإبداع ليكونون مدراء الحملة الإنتخابية، وبالفعل قامت تلك الأفكار بتصميم اللوح والملصقات لتزيين عقلي الداخلي وتأييد الشيطان، وبالطبع لم يكتفِ الشيطان بحملات الدعاية فقط إنما قام برشوة بعض الأفكار الضعيفة لتؤيده ،ووعد الأفكار الخاصة بالعظمة والتملك برشاوي عينية، كقصر يطل على السوائل القرنية في عيني، أو شراء تلك البقعة في طبقة الأم الرحيمة الاسفنجية في عقلي ليحولها ملاهي لصغار الأفكار، بجانب عروض أخرى كثيرة، حتى جاء يوم الانتخابات.

وقف الشيطان أمام عيني ليرى إنعكاسه عليها كالمرآة، تطلّع إلى ملابسه، عباءة سوداء يحدوها خط أحمر من الطرف بطول الجسم، أنفه شامخ، عاقد النية على ألا يخسر، واثق من نفسه،ثم أدار ظهره فرأينا يديه متشابكة خلفه، ابتعد عن العين ثم اقترب مرة أخرى،  وبعدها ابتعد عن العين ثم اقترب مرة أخرى وهو يتابع انعكاسه على عيني، ثم قرر الاقتراب من الأذن ليسمع نتيجة الأخبار، سأل الأفكار المتجمعة حولها فصرّحوا أن النتيجة ستُعلن بعد خمس دقائق، فابتعد مزمجراً، وبعد خمس دقائق أتته تلك الفكرة المسئولة عن عدم الثقة بالنفس مهرولة، فتعرقلت بخلية دم بيضاء وسقطت عند أرجل الشيطان وأعلنت فوزه بالرئاسة بنسبة 87 في المائة، فصاح الشيطان مغتبطاً، وقرر عقد مؤتمراً صحفياً ليعلن عن خطته للمرحلة القادمة

صرّح الشيطان في مؤتمره بقانونية الرشوة، والفساد، والكذب، والسرقة، والغش بأشكاله، فتعامل الشعب ذوي الأصول الغير منطقية المختلّة مع هذه الأوامر والقوانين كما فهمها، وأصبحت الرشوة تكتب في الأوراق الرسمية كتسعيرة لابد من دفعها، وأصبحت تُعامل كضريبة لها خصائص أي ضريبة أخرى، وشاركت في نمو المجتمع والمساهمة في تتطوير المنشاءات العامة، وسرعان ما أختفت الرشوة بالصورة المعروفة لتصبح ضريبة أساسية لتسيير الأوراق الرسمية، أما في ما يختص بباقي أوامره فاحتاروا في تنفيذها كلها لعدم إتفاقها معاً، فإن فَسَدوا يجب أن يدّعو الصلاح كذباً، حيث أن الشيطان أمر بالكذب، وإن إدّعوه، سيظن بهم السوء من حيث عدم تنفيذ أوامره والجهر بمعارضتها، فقروا إتخاذ الصلاح مسلكاً والكذب وإدّعاء الفساد كإظهار ولائهم لحاكمهم الشيطان.

راقت هذه الطريقة لتنفيذ القوانين معظم الأفكار وبدأوا العمل بها، فتطورت الدولة الخيالية في عقلي، أدبياً وأخلاقياً، بِدءاً بإختفاء الرشوة وتوغل التقوى في نفوس الأفكار، حتى إرتقاء التعليم، مما أدى إلى رؤية الشيطان رؤية مختلفة، رؤية شخص يحفزهم على الفساد وهم فيهم الصلاح، رؤيتهم لشخص يريد خفسهم بينما هم التطور والرقي نفسه. فبدأت تتقافز على ألسنتهم، إن كانت للأفكار ألسنة، كلمة الثورة، وأبدى البعض إهتمامه بها  ونشرِها حتى وصلت لأذان باقي الأفكار، إن كانت للأفكار أذان، فقاموا بثورة غاضبة أطاحوا فيها بالشيطان وطردوه شر طردةٍ، وأصبحت وظيفة رئيس الدولة الخيالية، خالية.

أقامت بعض الأفكار الخاصة بالتنظيم مكتب لتسجيل المرشحين الجدد، وتوالت الأفكار، وكانت تلك الفكرة المملة التقليدية جالسة  خلف المكتب لتسجل أسماء المرشحين، فكرة قيادية، فكرة الكاريزما، فكرة النرجسية، فكرة حب السلطة...إلخ، وتوالت الأفكار حتى انضم إليهم من هو أطول منهم قامة بشكل ملحوظ، أكثرهم هدوءاً وصمتاً، يلبس البياض، وعندما حان دوره أعلن عن اسمه وهويته، الله أعمل إله، تخلت الفكرة المكتبية عن رتابتها وتتطلعت إلي مخاطبها، حدّقت مدهوشة، فاغرة فاها، إن كانت للأفكار أفواه، ثم دونته وأغلقت مكتب التسجيل بسرعة، معلنة إكتفاءها من المرشحين، وجريت لتنفرد بالفكرة المنظمة
- إن الله يريد التسجيل معنا
- وماذا فعلتي؟
- سجلته
أطرقت الفكرة تفكر في رد، لكنها لم تجده، ذهبت لتتأكد بنفسها، فرأته، رجعت، ونظت مطولاً للفكرة التقليدية الواقفة أمامها، ثم أعلنت إنه يجب إعلام باقي الأفكار وعليهم أن يختاروا في ظل إنتخابات ديموقراطية عادلة.

أحدث إعلان إنضمام الله لقائمة المرشحين إنقسام بين الأفكار، بين مؤيديه ومعارضيه، واتجه مؤيدوه لفص المخ الأيمن كتظاهرة، بينما اتجه معارضوه لفص المخ الأيسر، وتباينت الأفكار، فمؤيدوه يختاروه بما أنه الحاكم المطلق وسيد الكون، كما أن له باع وخبرة كبيرة في القيادة والإدارة، على خلفية وظيفته السابقة كإله لملايين السنين، بينما إتجه معارضوه بأنظارهم إلى العقوبات التي ينزلها والتي، من وجهة نظرهم، أقسى من أن يحتملوها جزاءاً لأخطائهم.

اشتدت حدة المظاهرات بين الطرفين، حتى تتسبوا لي بصداع لم أعي مصدره، بينما وقفت الأفكار الخاصة بالشك والحيرة، موقع المحايد، لا هي مؤيدة ولا هي معارضة. تنازل بعض المرشحين عن حقهم في الترشيح، لوجود مرشح قوي مثل الله في المنافسة، بينما أصر الباقون على البقاء، خصوصاً مع وجود معارضين لله يتظاهرون الآن في الفص الأيسر. أُقيمت الحملات الدعائية لكل المنافسين، وواجهت حملة (الله رئيساً) تحدياً من المعارضين إلى أن جاء يوم الإنتخابات.

تدافقت الأفكار أفواجاً إلى اللجان الإنتخابية عند مركز إتخاذ القرار بالعقل، وحُـددت الأماكن الخاصة بكل مرشح، كل فكرة تكتب إختيارها وتضعه في مظروف ويُسلم إلى أيدي الأفكار المُختصّة. تمر ساعات اليوم بطيئة خصوصاً مع الحر شديد، نعم الجو بداخل عقلي حار، أنا اخترته ليكون كذلك، ثم يأتي أخر مظروف إنتخابي ليُوضع في مسواه، وتأخذ الأفكار إستراحة قبل أن تبدأ في عملية الفرز.

في الناحية الأخرى من عقلي، يجلس المرشحون ينتظرون النتيجة، منهم من يتحرك دون هوادة، ومنهم من يجلس على نسيج عقلي هاديءٌ، ثابت الجنان، واثقٌ من نفسه، بينما اختفى البعض عن الأنظار لحين صدور النتيجة. من وقتٍ لآخر ترسل إحدى الأفكار فكرة صغيرة لتستطلع الأمر فتعود خاوية دون أدنى إجابة، حتى جاء الليل، وتحول البعض من الهدوء إلى العصبية والتوتر، بينما حافظ قلة منهم على أعصابهم ووقارهم، جل ما يفعلونه هو فرك أيديهم للوقاية من البرد القارس، أليس هذا عقلي ولأفعلن به ما أشاء؟ إذاً البرد قارس الآن.

في وسط كل تلك الأحداث جاءت تلك الفكرة مسرعة لتعلن النتيجة، وظهر معها تلكم الأفكار المختفية منذ كان الجو شديد الحرارة صباحاً، وترقبوا سماع التصريح
بحسب ما قمتم به من إنتخابات
فلي أن أعلن اسم رئيس الدولة الخيالية الجديد
وهو...
تتوقف الفكرة لتفتح المظروف الكبير
الله و تخليه عن وظيفته السابقة كإله
وإهتمامه بشئون الوطن
كان وقع هذا الخبر على أذان الأفكار المؤيدة مُغبطاً، حيث قام المتحمسون منهم بإطلاق الشعارات والهتافات تحيةً لرئيسهم الجديد، بينما اغتاظ معارضوه، وانضمت قلة منهم من الأفكار المتملقة إلى جهة المؤيدين، فزاد عددهم أكثر، وطافوا في المدينة ليعلنوا فرحتهم، في حين أن باقي الأفكار المرشحة كانت تهنيء الله على فوزه، منهم بفرح ومنهم بغيظ مخفي، وفي النهاية دعا الله لتكوين مجلس الأفكار ليعرض عليه خطته للمرحلة القادمة.

استخدمت الأفكار نفس اللجان من أجل تكوين مجلس الأفكار الذي سرعان ما وجد، وبدأ أول إجتماع بحضور الرئيس الجديد. كان الجو المحيط بالإجتماع مفعم بالتفائل والرجاء خصوصاً وجود نسبة كبيرة من مؤيدي الله في المجلس. بدأ الله بالترحيب بالأفكار وسرْد أفكاره ومناقشتها معهم والوصول إلى نتائج، أهمها ضرورة الحفاظ على التقوى والصلاح، ونشر الخير والصدق في المجتمع، مع إستمرارية التتطور والتقدم، مع عرض بعض المشروعات في سبيل تحقيق ذلك، وفي النهاية تم نشر بيان يوضح ما تم في المجلس.

بعض المسئولين الأقل في المكانة رأوا أن قرارات المجلس مبالغ فيها، فعملوا على إختزالها وتبسيطها قبل عرضها على الشعب، فجاء من هم أقل مكانة في السلم البيروقراطي ليعدلوا على البيان الجديد بهدف تحسينه وتطويره وتبسيطه. انزلق البيان على المدرج الوظيفي حتى وصل إلى الفكرة العامة البسيطة التي تمشي على طرقات عقلي، فجاء سهلاً بسيطاً، بعيد كل البعد عن البيان الأصلي، فبدأ الفساد ينخر في المجتمع ببطء.

في المصالح الحكومية بدأ الموطفون في إبتزاز العملاء، أملاً في ملء الدرج مرةٌ أخرى، في حين لمعت بعض الأفكار الإنتهازية في المجتمع على حس التطوير والإرتقاء المزيف، الذي يخبيء وراءه المكسب الغير مشروع.

وصل الفساد حتى للفكرة البسيطة القانعة بمكانتها في المجتمع الفكري، وظهر في الخلايا الفقيرة من مخي أفكار أمثال الفتوات يمثلون جانب العند والتعدي في شخصيتي، ليحكموا تلك الأفكار المستضعفة التي تمثل الجانب الضعيف في شخصيتي، وبدأت ظهور جمل مثل  الأفكار الصالحة ليس لا مكان في هذا البلد ، ومالت بعض الأفكار إلى الهجرة إلى بلد أخر أو حتى الرجوع إلى الخلايا الأصلية، حتى وإن كان مالكها مختل عقلياً، فِكره غير ثابت، إلا إنه أفضل حالاً من العيش هنا. منهم من هاجر ومنهم من لم يقو على ذلك.

استمرت المعيشة على هذا المنوال، وكل أمور الحياة في انحدار مستمر، حتى التعليم، وبدأ يترسخ في نفوس الأفكار إنهم أموات، ولا نهضةٍ لميت، وقبلوها كحقيقة واقعة واستسلموا لأمرهم، حتى تلك الحادثة التي غيرت نظرتهم لأنفسهم، بجانب إختلاف وجه الدولة تماماً. أسوأ ما يحدث لفكرة هو أن تُخنق، وهو ما حدث لتلك الفكرة الحالمة. كانت هناك قلة قليلة من الأفكار المتفائلة على تنوعتهم، ومنهم تلك الفكرة الحالمة التي عرضت مشروع مفاده هو التطوير، ولكنه قُبل بالرفض، وكتبعات صُدر قرار على هذه الفكرة بالخنق، بتهمة زعزعة الأمن العام للدولة، مما أثار حفيظة الأفكار المتفائلة والإيجابية التي كانت من المساندين للفكرة ومشروعها قبل توقيع أقصى العقوبات عليها.

نظمت بعض الأفكار الإيجابية حملة تظاهرية للتعبير عن غضبها حيال الظلم الواقع على زميلتهم، ثم تتطورت المظاهرة لتعم الظلم الموَقع على باقي الأفكار. اختاروا الفص الأيمن كمكان البدء قبل الإنتشار في باقي أقطار العقل، ومع مرورهم على الخلايا الفقيرة كان العدد يزداد، وكانت الهتافات تتصاعد حتى عنان رأسي، مطالبة بالتغيير، وإقصاء الإدارة عن منصبها، وتحركوا حتى وصلوا إلى مقر إتخاذ القرارات حيث الإدارة ليعسكروا حتى تتم مطالبهم.

كان من الممكن أن تطول تلك التظاهرات مثل سابقتها، لكن الحاكم استمع إلى شعبه وقرر الإنصياع لمطالباتهم. خرج الله، وأطل برأسه على الأفكار المتجمعة أسفل نافذته، تتطلع إلى الشعب في صمت، فإمتنع عن الكلام وعم السكون،
أعلن الله عن تنحيه...
ورجوعه لوظيفته القديمة كإله...
ثم اختفى وسط نظرات الأفكار الثائرة....
بعد مسيرة صحوة الشعب...


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire