lundi 4 juillet 2011

مقال ما لوش اسم..!!

اتكأ الشابان على الأريكة الحجرية البيضاء، نظر كلٌ منهما للآخر، فيما أعلن من يلبس القميص الأزرق المخطط هن نيته للإستجارة بالطبيعة والنيل والمشي، من عنف فترة الإمتحانات الرهيبة، أطرق الآخر رأسه الحليق لفترة من الزمن مفكراً، في ما أعلن تأيده في نهاية الأمر..وقد كان.


اتجه الاثنان صوب محطة إنتظار الحافلات، بينما يضرب فخذ إحداهما الحقيبة التي لا تفارقة أينما ارتحل، لدرجة تشعر الرأي إنه يستحم بها، يصعد، فيسبقه صديقه ذو الملابس الأكثر راحة المكونة من سروال (جينز) أزرق و(تي شيرت) أميل للون الرمادي، يقف كلاهما في زحام الحافلة الطبيعيّ، حيث الطُرقة ورا فاضية، يتبادلون الحديث فيما تنهل الحافلة من الطريق حتى يصلوا إلى غايتهم لدى (كورنيش النيل)، فتكون خططهم كالتالي، شراء مشروب غازي بارد، وركوب الأوتوبيس النهري ذهاباً وإياباً.. حتى الآن تبدو القصة تقليدية، أو حتى مملة لبعضهم، لكنني لم أحتَر في الاسم بلا سبب.

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

لدى الأوتوبيس النهري سياسةٍ يتبعها، وهي إنتظار الأوتوبيس السابق قبل البدء في تشغيل المحرك. ينظرو حولهم، فيرون إختلاف الخلق. ذاك رجلٌ يدخل مع زوجته وأطفاله، فتنتبه له عيون (أحمد) الضيقة، وينظر لعيون الآخر الخضراء، يلاحظ ذقنه غير الحليقة، لون قميصه المخطط، ثم يشيح ببصره في النهاية، تجه انظاره صوب شابٍ يجلس على سلم الأوتوبيس، جل ما يشغله هو عكس ضوء الشمس نحو الخلق بميدالية صغيرة، أو مزاولة الناس على حد قول (أحمد) الذي شعر بإزدحام المكان وتمنى هو وصديقه لو ركبوا ذاك الأوتوبيس ذو القطعة الخارجية المكشوفة للهواء، ولكن كان عليهم أن يتعاملا مع ذاك المراهق ذو السروال الاسود، والـ(تي شيرت) الأزرق.

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

تحرك الأوتوبيس بعد دقائق مرت كالدهر، بين بكاء طفلة لم يلاحظوا موقعها وزجر أمها لها، وبائع المياه الغازية الذي لا يكف عن المناداة والطرق على الزجاجة، حتى سماع هدير المحركات، تبدأ صفحة الماء بالتحرك عكس وجوهنا حتى تنقلنا للجيزة، تحت جسر الجامعة، يخرج (أحمد) وصديقه فتأخذهم أرجلهما إلى (حديقة الحيوان) عند مقدمة تمثال (نهضة مِصر) للمثّال (محمود مختار)، يطيل (أحمد) النظر نحو الحديقة بينما يحاول الآخر توجيهه ناحية النيل، لكنه يعدل عن وجهته بعد سماع ما يدور بخلد (أحمد).

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

كانت رؤى الحديقة من الداخل تمثل لكلٍ منهما ذكريات لا تُحصر، بين لعب كرة، والبحث عن قفص الأسد، والجلوس تحت الأشجار وأكل ما تجود به الأم، القفز أمام قفص القرود، وإطعام الحيوانات.. نظر كلٌ منهما للآخر وابتسم، ماذا يفعل شابان زي الورد في حديقة الحيوانات وحدهما؟

بدأوا المشي على غير هدى، فأينما تأخذهما قدميهما سيذهبا دون عناد، يمرون على طائر البلشون الأبيض، ينظرون للونه الأبيض الناصع ومنقاره المتأرجح بين الأصفر والبرتقالي، وينتظرون قفزه في الماء..لكنه لا ينزل، يبتسم (أحمد) فتضيق عينيه أكثر ويقترح إستكمال الطريق.

حمام يمني، حمام زاجل، حمام.. أليسوا كلهم نفس المظهر؟!! بيت الزاحف، بيت الفيل، بيت الضباع، فرس النهر.. القرود، للقرود معزة خاصة عند كل البشر، قد يكون لوجود تشابه مظهري بينهم؟ أم لوجود تشابه وجداني يتراوح بين طريقة تصرافتهم وطريقة أكلهم؟ وقفوا أمام قفص النسناس الصغير الواقع بالقرب من قرد النيل الأزرق ذو اللون البني، فنجد طفلة صغيرة مع والدها تقف أمام القفص وتعلن نيتها إطعام النسناس الصغير، يقترب الحارس ومعه تلك القصبة الصفراء ليضع على نهايتها المدببة جزء ثمرةٍ ما يقضمها بطرف فمه، يضع القصبة بيد الطفلة، يمسك هو الطرف الأخير، بينما يمسك أبوها يدها الصغيرة التي لا تكاد ترى من بين أصابعه، يرفع الرجل رأسه فيبتسم لنا حيث لا يقف إلانا نحن الأربعة وحارس القفص، فتظهر على ملامح الأب السماحة ووسع الصدر، فبادلناه الابتسامة وانتظرنا إنتهاء المشهد. أطعمت الفتاة القردة الصغيرة أربع مرات ثم أكتفت (الفتاة وليست القردة)، ابتعد الحارس دون أدنى كلمة، فالتفت لهم الأب وسال: "شباب، ما ألاقيش معاكم فكة؟"

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

انطلق الاثنان في طريقهما، فعلق (أحمد) على تخليه لجمال الحديقة يوم صُنعت، وأشاد بالجسر الواقع بين ما يمكن أن يسمى جبلاية لكن لها سور مزجج يمنع الزاور، فيعلن صديقه أنه رأى ما بداخل تلك الجبلاية، لكن في فيلمٍ ما، كان به الراحل (عبد الحليم حافظ) وممثلةً ما، يفعلون شيئاً ما، قد يكون الغناء أو الجري، وصمتَ، وأكمل طرقه حتى احتكوا بمجموعة من الناس كان من بينهم من يتكلم بصوتٍ عالٍ " ...هو (عبد الحليم حافظ) صور هنا، وقفلوها..."

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

خرج (أحمد) جاراً صديقه وراءه، ينسلوا في الطرقات الواقعة بجانب بين السفارة الفرنسية، حتى يصلوا لجسر الجامعة حيث يكمن الأوتوبيس النهري، وسيلة مواصلاتهم، يدخول فيجدوا أن الأوتوبيس لم يأت بعد، انتظروا أثناء سيلان الناس بداخل المحطة انتظاراً للأوتوبيس، فتلك عائلة نوبية، يظهر على أكبرهم أنه في سن المراهقة لما يبديه من تمرد بالجلوس على صف مقاعد مختلف، وذاك طفلٌ يصرخ بنغمةٍ واحدةٍ "آه آه آه.." بينما تقترب أخته لتجلس بجانبهما، فيشعر صديق (أحمد) برغبة في تهديد الفتى بخنق اخته إن لم يسكت، لكنه تراجع إذ رأى أنه لن يجدي.

تطول دقائق الانتظار، ويتمنى (أحمد) أن يأتي ذاك الأوتوبيس ذو الرقعة المكشوفة تكفيراً عن طول الوقت المنتظر، يبتسم صديقه، لكنه يشيح ببصره إمعاناً في مزيداً من التركيز لعى صوت الهدير المتصاعد، يمعن النظر، فيجد أن أتوبيس ذو رقعة مكشوفة يقترب.

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

يدخل الشابان ليجدا أن كل الأزواج قد سبقوهما على المقاعد، حتى أن الرقعة المكشوفة قد امتلأت، لكنه لم يغيظهما، اقترب (أحمد) وجلس على سلم الأوتوبيس بينما جلس صديقه على مقعد وثير من الجلد المبطن، يقع بالقرب من (أحمد)، الذي يرفع رأسه دون مبرر واضح ليجد ذاك الشاب ذو الميدالية الذهبية الذي لا يشغله غير مزاولة الناس، يدخل بسروالة المتساقط ليندس بسن البشر الموجودون على الرقعة الخارجية ويحشر نفسه في أحاديثهم، ينظر (أحمد) لصديقه ويتبادلا ابتسامة صامتة لا يقطعها غير إشارة (أحمد) للرجل الجالس بجانب صديقه "والراجل ده كمان كان موجود في الأوتوبيس اللي فات" ينظر لنا الرجل ليتفهم ما نسعى إليه، يتفحص وجوهنا فيبتسم ويؤيد كلام (أحمد) بهزة صغيرة من رأسه مغمضاً عينيه الخضراوان.

ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ ــــــــــ.ــــــــــ

يفترق الصديقان عند محطة (عبد المنعم رياض) غير راغبي في رؤية إحداهما للآخر لمدة طويلة، يتجه (أحمد) لحافلة بيضاء كبيرة، بينما يتجه (أندرو) صوب حافلةٍ حمراءٍ، يجلس بجانب النافذة ويسترجع أحداث اليوم أثناء مرور الحافلة على الطرقات متجهة نحو غمرة، يتذكر الطريق المتوقف في الصباح وخوفه من التأخير في صبيحة امتحان، الميكروباصات الصغيرة التي اتخذت طرقاً جانبية لتفادي الزحام، تلك الحافلة وما هو مكتوب على خلفيتها "الأميرة يمنا.. الحوت"، الامتحان ونظرة الممتحن.. لكنه أشاح بوجه نحو الشارع عله يشغله عن التفكير فيستريح عقله، ينظر فيجد الناس وقوفٌ ينتظرون الحافلات، يرى الحافلات تتلاحق فيما بين السيارات الصغيرة، تسبقه حافلة فيلمح ما هو مكتوب على خلفيتها "الأميرة يمنا.. الحوت.."