mercredi 15 août 2012

أبحث عنه..!!

لعل هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أسعى فيها لنشر خواطرِ سلبيةٍ، إلا أن في عرفيّ الشخصي، تحظى فترات الإنسحاب بنفس القيمة والإحترام كما لفترات الإنبساط والإيجابية المفرطة، كلٌ له قيمة في عقيدتي، ومن هنا نبدأ الحكاية.


تبدأ الحكاية عندما كَففت أن أشعر بتلك الميزة والطاقة التي كانت تدفعني للأمام بشكل يبرز هالة تحتويني، يراها الكل لكنهم لا يدركون ماهيتها، تدفعهم للإقتراب مني، إنما على مسافة، فكما كانت على قدر من الغموض يثير الفضول والإقتراب، كما كانت لها هيبة تجزع لها النفس فلا تسمح بالإقتراب مني بشكل حميمي، إلا إنها في النهاية خفتت قليلاً، أو هكذا أظن، ومعها خَفُتَ الدافع الذي يزودني بإحساس التمَيُز والإنفِراد، وهنا يبدأ التساؤل عن كينونتي وماهِيَتي، عن طبيعة كياني ووزَناتي.


طفقت أجرب كل شيء كالمجنون، كالممسوس، أو كمن تاه في الصحراء جائعاً عطشاً، فهَدَتَه قدماه إلى مأدبة تعج بكل ما لَذ وطاب، فأُصِبت بالتُخمة، وتحوَلت من جائعِ إلى مُتخم لا طاقة ولا حَول لُه ولا قوة للقيام بأي شيء؛ بدأت أفضل الخُمول، وسريعاً ما ينفذ صبري أمام المسئُوليات، وأجزع من ذكرها أمامي، وبدأت أشعر كمن مشَى ثلاثة أيام بلَياليهُم فَور سماعي لأي طلب، أو في حالة إلقاء مسئوليةٍ ما على عاتقي، فأحاول التنصل!


أصبحت ثقيل، فارتطمت بأرض واقعٍ قاسي، لا يشبه ما كنت أراه حينما كنت أكثر خفة، وأكثر علواً عن صِراعات المغاوِر، أقل تعقلاً وأكثر جنوناً، فتسألت عنه، أين (أندرو) القديم؟!!


أين ذاك الـ(أندرو)..؟
الذي انبهر بجملة سمعها مفادها "تقدر تغير كل شيء في ثانية"، ليصبح (أندرو) الذي يتهكم لدى سماع مثل تلكم الجمل!


أين (أندرو)..؟
الذي دافع عن حلمه عندما رفضت أمه أن يغدو مخرجاً للأفلام، فقال لها وسط دمعاتها: "خليكي فاكرة إنِك هتعيطي العياط ده تاني، لما تشوفيني بأتكرّم!"، ليصبح (أندرو) الذي يبحث عن محض سَتر!


في مسيرة الحياتي الصغيرة، تخلَيت عن كثير من مبادئي وطُرقي في التعامل تحت مُسمى قابلية التأقلم مع المجتمعات الجديدة التي أنا بصدد الدخول عليها، والإنخراط في العوالم الأيلة إليّ، أو حتى أحياناً لجذب إنتباهٍ واهٍ خاوٍ ، إلا إني في النهاية أصبحت كمن رقَص على السُلَم، فلا أنا حافظت على (أندرو) كما هو وساهمت في تطويره، ولا أنا أصبحت الشخص الذي أدّعيه، وفي النهاية أنا مزيج من (أندرو) وعِدة أدوار أخرَى تاه (أندرو) بينهم، وأقام حدوداً منعت تمييزه بسهولة وسط هؤلاء.


لأول مرة في حَياتي، لا أستطيع أن أرَى ما يحيقُ بيّ أو ما ينتظرني، أنا المعتاد على التفكير في الحياة أكثر من ممارستها؛ لأول مرة أشعر أن لا مستقبل لي.
أشعر إني إما سأموت قريباً
أو إني سأحيا ميتاً
أي إني سألتحق بدورة حياة دودة القز
سأبحث عن وظيفة والسلام
سأسعى وراء زوجة جيدة
بعد أن أكون تخليت عن مَبدأي بعدم الإرتباط إلا بعد قصة حُب طويلة
وسأصبح زوج عادي، أو أكثرُ قليلاً
سأنجب أطفالاً بدون الإحساس بالإحتياج لوليديّ قبل أن يُولد
وأربيهم في جو خالي من الحب، فقط يتخلله الشعور بالواجب
سأتذمر من حالي ومن حال أسرتي ولن أفعل شيئاً لإصلاحه
سأصيح في وجه زوجتي وأولادي ولا أستمع لهم
وسأدعي الإهتمام حتى أصدق نفسي
وأعلن إني أوصلتهم لبر الأمان، بينما هم يكرهوني في السِر والعَلن
فأدّعي دور المظلوم من زوجة ناكرة للجميل وأولاد عاق
وألعنهم في السر والعلن
بينما تنحصر علاقتي بتلك المرأة بالمنزل على تقاسم المرتبات
ناهيك عن كبر سننا، إلا إننا لم نمارس الجنس منذ ولادة آخر مولود لنا
ثم أخرج في التجمعات الكبيرة لأتباهى بزوجتي وأبنائي
ولا ألاحظ إستيائهم من إدّعائي
ولأزيدن على الصورة، هالة من التدين البديل الخاوي
وفي النهاية سيدارى الثرى وجهي
ليخفي إبتسامة راضية
مزيفة
تعبر عن إمتنان مزيف
لحياة مزيفة
لم أختر منها سوى أن أحياها
إلا..
 إن وجدت (أندرو)!!