vendredi 8 février 2013

مصطلحات ثورية..!!


عرفنا فيما عرف التاريخ أن هنالك شخص بـ(تونس) قام بإضرام النار في نفسه إثر صفعة تلقاها من شرطية حاولت التحفظ على عربة الفاكهة التي تنوله رزقه كبائع جائل، كما منّ علينا التاريخ بخبر موت شابٍ بالأسكندرية بين سببين إما إبتلاعه للفافة بانجو بحسب الإعلام الرسمي لوزارة الداخلية أو نتيجة لتعذيب مخبري الداخلية له لرفضه تبعات قانون الطواريء بحسب أقوال أهله وبعض أصدقائه، إلا أن السؤال هو، ما معنى موت هذا أو ذاك؟! ما معنى موت أكثر من 1500 شخص غرقوا أو فقدوا في نفس السنة (2011) عند محاولتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط في محاولة بائسة منهم للهجرة غير الشرعية؟! ما معنى موت الآلاف بمرض السرطان سنوياً؟! ما معنى أن تفقد أخت أو أخ أو أب أو أم أو أي عزيزٍ كان؟! الإجابة هي لاشيء، لا معنى له!
قد تكون الإجابة قاسية لكن لا معنى لموت (البوعزيزي) ولا معنى لموت (خالد سعيد) ولا معنى لآلاف الأشخاص الذين يموتون هرباً من الواقع أو ضحية مرض، أيضاً لا معنى لموت قريبك الذي رحل عنك، أو عزيزك الذي فارقك؛ قمة في العبث هو الموت كما هي قمة في العبث هي الحياة وأحداث البشر.



ما هو المعنى وما هو العبث؟
المعنى يا عزيزي هو أن تبحث عنه بنفسك بينما العبث هو أن تريح مؤخرتك المترهلة مكتفياً بالحكم على الأمور بأنها عبث.
كاد أن يمر موت (البوعزيزي) برزيلة العبث، لولا من قام بإيجاد المعنى في موت (البوعزيزي) كشرارةٍ للثورة، وكاد موت (خالد سعيد) أن يخمل في بوطقة العبث لولا تسلمه لشرارة المعنى من قرينه التونسي، أيضاً موت عزيزك كان ليؤول دون معنى لولا وجودك وإعطاءك لموته وحياته معنى، وإلا لمات حقاً.
معنى ما نمر به من احداث هو مدى إستيعاب قدراتنا على إيجاد المعنى في الأشياء، فإن نتركها بلا معنى اغتلناها بقسوة أشد من الحقيقة نفسها، وإن أجدنا لها المعنى تغذت عليه من إيماننا بها.


ما هي الأنانية؟
إن كانت الأنانية هي حب الذات فلك أيها الأناني ألفت نظرك أن حبك لذاتك وتوفير سبل الراحلة لدائرتك الضيقة لا يخلو من حب البلد، إذ لا يمكن تشكيل دائرتك الضيقة بلا مساهمة في الوطن، فيصعب على قاطن مقابع القمامة أن يحظى بنسيمٍ عَطِر إلا إن بدل بيئته، فحتى الأناني إن عاش أنانيته ملء الحياة لأصبح أشدنا وطنية، فمن أنت؟!


وبالتبعية ما هو الأمل وما هو اليأس؟ وما الفرق بين اليأس والخيانة؟
الأمل هو إيمانك بإمكانية تحقيق مستقبلٍ أوسع حتى وإن كان نابعاً من حبك لذاتك وحدها، فإن فهمت معنى حبك لذاتك فقط حق الفهم لأصبحت أكثرنا بذلاً لذاته من أجل الآخرين، أما اليأس هو تخليك عن الإيمان –أم أن الإيمان هو من تخلى عنك لعدم تشبثك أنت به- فحتى نفسك لم تعرف أن تحبها، وإن لم يكن عدم محبة الذات والعمل عكس مصلحتها هو الخيانة فما هي؟!


تابع أغلبنا بشغف موقف سحل المواطن (حمادة)، ولم نتعَد الغضب تصرفاً، ثم فوجئنا بموت (الجندي) متأثراً بآثار التعذيب، فلم نتعَد الصياح في المنزل فعلاً، حتى أن أغلبنا لم يعرف أن هناك من سبقه موتاً، فهنالك (سامح محروس فودة) بقسم شرطة شبرا الخيمة في 16 أغسطس 2012، و(عاطف المنسي) بقسم شرطة ميت غمر في 16 سبتمبر 2012، و(محمد إسماعيل عزام) بقسم شرطة طهطا بسوهاج في 24 سبتمبر 2012، و(سامح أحمد فرج) بقسم شرطة الوراق في 14 يناير 2012 وغيرهم، فلم نقُم حتى بالإنتباه مجهوداً!



الإنسان هو من يعطي للأشياء معنى، الإنسان هو من يعطي للأحداث معنى، وبالتبعية فإن مر ما حدث من سحل مواطن وتعريته، وتعذيب أفضى إلى موت لأكثر من شاب، المعروف منهم والمطموسة سيرته، أو ذاك الصبي المحجوز الذي ينتهكه سرطان العظام قبل ظلم الداخلية مر الكرام أو حتى أقل قليلاً، فإننا جردناهم من المعنى ومن ثَم اغتلناهم أشد قسوة مما قاسوه هو، وظلمناهم أشد ظلماً من ظالميهم، فالثورة هي من أعطى المعنى لموت (البوعزيزي) و(خالد سعيد) وغيرهم، والمعنى هو من أعطاهم الحياة حتى الآن، فالثورة لا تنفصل عن الحياة، بل الثورة هي الحياة.



اعط معنى
ثُر
عِش
ولا تخف
فالموت ليس النهاية
*   *   *
المقاومة هي الحل.
*   *   *

أعراض جانبية..!!


يستيقظ (صابر)، يفتح عينيه ببطء على ضوء الغرفة الأزرق، ينظر لساعته فيجدها متوقفة، يزيل الغطاء ويعتدل في جلسته، يبحث عن خفيه فلا يجدهما، يخرج للصالة حافياً، يزيح باباً لا يقوى على الإنغلاق أصلاً، ينظر إلى ساعة الحائط لينتبه أنه استيقظ باكراً عن المعتاد بنحو ساعة، يجلس على أقرب كرسي فيسمع أزيزه، يستند على ركبتيه اللتان يغطيهما سروال المنامة، يحك كتفه الظاهر تحت الفانلة الداخلية التي يكره إرتداء ما يغطيها، حتى أنه أضاع جاكت المنامة عن قصد مما تسبب له في مشكلة مع زوجته، ينظر للفراغ نحو عدة دقائق قبل أن يستفيق وينتهز فرصة إستيقاظه المبكر، أخذ خفيّ ابنه الأكبر والتقط بعض النقود من جيب سرواله المعلق بباب الغرفة من الداخل وانطلق على درجات السلم، يسمع وقع خطوت قدميه على الأرضية، يخرج ليجد أن الشمس لم تشرق بعد، يستنشق هواء الصباح البارد قبل أن يخرج من شارعه الضيق صوب الشارع الرئيسي حيث عربة الفول على بعد ناصية، يقترب ويشتري شطيرتان من الفول بالزيت الحلو، فهو يكره الزيت الحار، يقترب من بائع الجرائد لينحني ويلتقط جريده، يدفع ثمنها ثم يرجع مرة أخرى ووجهه لا يحمل أي تعابير كأنه لم يفعل شيئاً ليضيف شعره الأشعث على جانبي صلعته من البلاهة ما لا يوزن، يصعد السلم ويزيح باب شقته الذي تركه موارباً، يعد الشاي ويفتح لفة الفول، يلتقط الشطيرة التي تحتوي على عدد مماثل من حبات الفول والحصى، يمضغها في لا مبالاة وهو يتابع الأخبار في الجريدة "شاب يحرق نفسه في دولة شقيقة" يغير الصفحة ليبحث عن (حظك اليوم)، هو ليس من الأشخاص المؤمنين بتلكم الأمور، إنما هي العادة أو الفضول، يقع نظره على خبر قديم في ورقة الجريدة حيث تقبع شطيرة الفول الأخرى في براءة "وفاة شاب يبتلع لفافة بانجو بالإسكندرية بعد محاولة المخبرين التحفظ عليها، بينما يتهم أهل المتوفَى المخبر بتعذيبه والتسبب بموته. تدخل اللواء..." مط (صابر) شفتيه ودعى على مدمني المخدرات وأولئك الذين يحرقون أنفسهم. أكمل شطيرته ودخل غرفة النوم بعد أن ابتلع بعض حبيبات الشاي المتبقي التي يعشق إستحلابها، اختار بعض الملابس دون أنا يختار فعلاً ليرتدي في النهاية لوحة سيريالية، يلقي نظرة على زوجته التي تغط في النوم بذاك الوشاح الذي يكتنف رأسها قبل أن يخرج، يتزل فيرتقي أسفلت الشارع ويمشي حتى يصل إلى المحطة، ينتظر فتداعب مسامعه كلمة "تونس" أكثر من مرة فلا يعرها إهتمام، يقفز في أول حافلة تمر على مكان عمله، يدفع ثمن التذكرة ويبتعد شاقاً طريقه وسط كومة اللحم لتفرض لفظة "تونس" نفسها مرة أخرى، فيتسأل في سره عن علة تكرار الاسم لتأتيه الإجابة على لسان الكومسري، سمعها بصعوبة " يعني عيل كافر ابن ...... حرق نفسه في (تونس) عمال لنا الغَلبَة دي كلها؟!!" يمط (صابر) شفته السفلى في فهم –أم تراها غير مبالاة؟- ثم يحني رأسه لينظر من النافذة، فيهرع ناحية الباب الخلفي إستعداداً للنزول إلا أن الحافلة لم تتوقف، قفز عند أول فرصة أبطأت في الهُدى وهو يلعن سائقي الحافلات الذين لا يتوقفوا في المحطات، يدير ظهره ويرجع بضع الخطوات التي أضاعتها عليه الحافلة، يقترب من مدخل المصلحة، يحيي الفرّاش دون أن ينظر له، فيقف الأخير راداً التحية دون أن تكف مؤخرته عن لمس الكرسي فعلياً، يصعد (صابر) درجات السلم ويدخل غرفة مكتبه المكتظة بأربع مكاتب لزملاءه، يلقي السلام ولا ينتظر رد، ثم يجلس على الكرسي وبدون سبب يفتح عينيه على وسعهما فيخرجا عن محجريهما كأنه أفاق للتو من النوم أو كسب مليون جنيه في مسابقة تلفزيونية رخيصة، ثم يرجع لحالته الأولى ويعيد عينيه لمحجريهما بلا سبب أيضاً، ينظر للورق الموضوع على مكتبه ثم ينظر لزملاءه فيجدهم منكفون على مكتب أحدهم يتبادلون أخبار قفزت بعضها إلى (صابر) الذي تسأل بدوره "مين خالد سعيد ده؟!!"

*   *   *
تمر الأيام والشهور وروتين (صابر) كما هو، حتى أنه لم يتخلَ عن عادة مشاهدة التلفاز قبل النوم، جلس على الأرض وأراح ظهره نحو الأريكة وفتح التلفاز ليجد مسئول كبير بشارب رفيع منمق يعلن أن "مصر ليست (تونس)" لم يفهم القصد من المقارنة أساساً فغير القناة ليجد تلك المذيعة المثيرة تتكلم بحماسة عن الإنتخابات الرئاسية التي ستقام في اليوم التالي، تابع (صابر) ما تقوله الفتاة حتى غلبه النعاس فقرر أن ينام باكراً تحسباً ليوم الغد الحاسم، إما سترجع زوجته من عند أمها مصطحبة إياها أو ستأتي وحدها، دخل لينام فترة استيقظ بعدها شاعراً إنه لم ينَم أصلاً، إلا إنه قام بروتينه الطبيعي متثاقلاً بالطبع وأضاف عليه توجهه للمدرسة التي يقوم فيها بالتصويت، دخل اللجنة وأشار على اسمه في الكشف، انتقى القاضي ورقة إبداء الرأي فأعطاه إياها، أخذها (صابر) وابتعد ليختار مرشحه الذي لاحظ أن اسمه مكتوب بخط أكبر بشكل لن يلحظه أغلب المصوتون إلا إنه استنكر على نفسه الملاحظة الفظة فإدعى الإشتباه، التقط القلم واقترب من المربع الصغير وقام بوضع علامة (صح)، أبعد وجهه عن الورقة بطول ذراعيه ليتأكد من إختياره قبل أن يلقى بها في الصندوق ليلحقه بالحبر الفسفوري، اقترب بوجهه مرة أخرى ليتأكد أن علامة الـ(صح) بجانب مرشحه، ها هي علامة الـ(صح) وعلى نفس السطر بالضبط اسم مرشحه (جمال مبارك).
*   *   *
المقاومة هي الحل.
*   *   *