dimanche 1 octobre 2017

حلوة يا بلدي (4) - السويس..!!

حسنًا..
لقد توقفنا أنا و(أحمد) عن القيام بتلك السفريات منذ عدة سنوات، لا تسألني عن سبب قيامنا بالأخيرة، فقط استلق واسمع ولاتسأل.

وقع الإختيار على (السويس)، مدينة دائمًا ما نسمع عنها في الكتب المدرسية، وخصوصًا في الدراسات والتربية الوطنية. قام شعب السويس العظيم بالتصدي للعدوان الفلاني بعد أن دك عناصر الجيش العلاني فيما أمضى وقته بترويع كل من تسول له نفسه دخول مصر عن طريق السويس.. حسنًا. ثم تلك المجادلات الأخيرة عن طبيعة التفريعة الجديدة للقناة لتظهر (السويس) مرة أخرى في الصورة.
السويس، في نهاية الأمر، لها سحر على مسمعي، سواء كانت حكايتها صادقة أو خرافية ففي النهاية هي (بلد الغريب).

من حسن الحظ أن السويس ليست ببعيدة أو على الأقل ليست أبعد من مدن المغامرات السابقة، تستطيع أن تستقل سيارة من نوع (بيجو) الـ7 راكب من منطقة الـ(كوربة) بملغ لا يتعدى الثلاثون جنيه لمسافة لا تتعدى الساعة والنصف.

تقابلنا أنا و(أحمد) أمام إحدى السيارات ولحسن حظنا لم يبقَ في السيارة سوى مقعدين لي وله، فتفألنا خير وتوكلنا، حتى تعرفنا على (التركي).
التركي هو السائق الذي أقلنا، دلفنا إلى سيارته من الباب الأمامي لنجده غيير المقاعد الأمامية إلى أريكة لتتسع لشخصين إلا إنه وضع علبة تمنع جلوس الشخص الأوسط مرتاحًا ورفض تغيير مكانها، حسنًا.
بدأنا الطريق وبدأنا أنا و(أحمد) الكلام ولم يحتمل (التركي) مزاجنا صباحًا فتدخل
- معلش يعني يا جماعة لو مافيهاش مضايقة القرآن شغال.
- لكن الصوت أصلًا مش واضح.
- يعني أقفله؟ أنت شكلك ما بتسمعش قرآن.
- لأ بأسمعه بس بالليل.
- يعني أطفيه؟
- إحنا عامًة ضيوف في عربيتك، تشغل اللي أنتَ عاوزه.
هكذا جادله (أحمد) حتى انتهينا بسكوتنا المؤقت لسماع القرآن لم يقطعه سوى (أحمد) الذي طلب استراحة لشرب السجائر فما كان من السائق أن عرض عليه سيجارة من علبته الخاصة وأخذ هو آخر واحدة وبدأ في شربها مع مزاحه بالتضييق على زميل له طوال الطريق.

وصلنا مدينة السويس في مكان لا يعد بشيء، عرفت فيما بعد أن اسمه (الموشي)، فقررنا الذهاب لحي (بور توفيق) والبدء من هناك، فاستخدمنا مايكروباص ذو التسعيرة الموحدة، جنيه وربع، حتى حي (الأربيعين) وآخر لـ(بور توفيق) لنقابل (أبو قدم).

وصلنا (بور توفيق) وبدأنا نسأل عن الأماكن المميزة، فسالنا السائق الذي دلنا على (الحجَر السحري) برفع الجيم، فتوقعت إنه اسم مزار لما له من اسم فطلبت المزيد، هنا أوصانا السائق بالتواصل مع (أبو قدم)، شاب صاحب كشك بسيط.
- بتدوروا على إيه؟
- مزارات وأماكن سياحية.
- مفيش.
- أمال إيه الحجر السحري؟
- مزار؟ أنتم عندكم حد عيان؟
- مش الحجر السحري ده مزار؟
- قصدك الحجر الصحي!
- شكرًا.
كان من الواضح أن (بور توفيق) لا يمتلك أي معالم مختلفة سوى طلة بسيطة على القناة وبعض المنازل القديمة، يقال إنها من وقت الإحتلال، ذهبت أنا لتصويرها وذهب (أحمد) للصلاة.

انتهى (أحمد) من صلاة الجمعة فيما قاربت أنا على حفظ كل حجر في (بور توفيق)، بحثنا عما نفعله فلم نجد فاستقلبنا مايكروباص آخر لحي (الأربعين) لكن قطعنا الطريق لدى رؤيتنا لبيوت عتيقة رائعة الجمال فنزلنا.
الشارع بأكمله مزين بمنازل تجمع ما بين الطابع الأوروبي والشرقي، ملون بثلاث ألوان رئيسية، الأحمر هو الغالب، يلية الأخضر للأبواب ثم الأصفر للعتبات. الغريب أن هذه البيوت مأهولة وعامرة باسكان، ظننت لأول وهلة إنها تابعة لطبقة إجتماعية معينة وصل بها المميزات بالسكن في هذا العالم الموازي من الجمال حتى وجدت ذلك الرجل خارجًا من إحدى الأبواب مرتديًا سروال منامة وملابس داخلية بيضاء تغطي أغلب صدره ليستلم بريده او أوراقٍ ما.. حسنًا.

المكان يجمع ما بين القِدم والحداثة، متمثلة ما بين طلة المنازل والسيارات الحديثة حولها، إلا أن ما يجمه الاثنين هو النظافة التي يتميز بها الشارع، فتسألت لما لم نسمع عن هذا المكان في السويس؟

بعد حصولنا على نشوة المكان، آن الأوان لراحة من الشمس والمشي فدخلنا إحدى نوادي التجديف لنستلقي أمام البحر فيما تتنفس أقدامي خارج الجوارب الخانقة لأشاهد أصابع أقدامي تلهوا أمامي سعيدة في الرملة، فتركتها تلهوا واستلقينا لتصفية أذهاننا حتى آتانا ضيف الجوع.

خرجنا ورجعنا لحي (الأربعين) وهممنا بالبحث عن حلقة السمك، بدأنا الخوض في سوق الخضار وما أن فقدنا الأمل في إيجاد حلقة السمك بدون سؤال الناس حتى استقبلنا فرن لتسويته ووجدنا حينئذ متحف السمك بالملقب -ظلمًا- بحلقة السمك.

دخلنا ممر بسيط محاط بموائد معدنية مملؤة بالثلج والأسماك، والمكان مضاء بمصابيح ضخمة معلقة من السقف بأسلاك مغلفة بأنبوب الكهرباء البرتقالي المميز. هناك وجدت أنواع غريبة من الأسماك مختلفة الألوان والأحجام لم أرَ مثلها. رأيت أسماك زرقاء لها مسحات خضراء زمردية، وأسماك حمراء ذات بقع بيضاء، وأسماك سوداء فاتحة ذات بقع سوداء داكنة، وأنواع مختلفة من الجمبري والكابوريا، وفي نهاية الممر ظهر الجزء المتبقي من مغارة علي بابا.
أعداد مهولة من الباعة يبيعون أشكال مختلفة ومعقدة جدًا من الأسماك، وهناك وجدنا أماكن لطهي السمك فقط.
على الشخص الدوران في الحلقة لإنتقاء الأسماك وإختيار فرن لطهيه وهو ما حدث، إلا أن من الأضرار الجانبية للبحث هو رش الباعة للسمك بالماء ومروره على الثلج ليستقر في النهاية على ملابسك ماء بارد مشبع برائحة السمك.

تعاملنا مع أهل المدينة خلال مراحل الشراء فوجدت صبر وإحترام في التعامل يشهد لهم.
مررنا أنا و(أحمد) ببائع وتكلمنا معه قليلًا وقبيل إختيار الكمية اعتذرنا وتركناه، مررنا بباعة آخرين ورجعنا له مرة أخرى، تحدثنا معه واخترنا سمكة، فوضعها على الميزان وقبيل الدفع غير (أحمد) رأيه، فعجبًا تقبل البائع الموقف ورحب بنا بالرغم من إنه شاب، وهنا قارنت نفس الموقف لو حدث في القاهرة لتطرق الحديث -قطعًا­- لأمي وأم (أحمد)، وأموات أمي وأموات أم(أحمد)، ودين.. حسنًا، أظن أن الفكرة وصلتكم.

في النهاية اشترى (أحمد) السمك وقدمه لسيدة صاحبة فرن لقليه وشييه فيما اشتريت أنا الكشري لأكله -يا لبؤسي.
استلمنا الأكل وذهبنا لنأكله على الكورنيش.
استقبلنا الكورنيش بتمثالين ذكراني بأسدين قصر النيل إلا أنهم أشبه بالنمور.
الكورنيش يمتد لمرمى البصر، ذكرني بكوبري النيل، لكن أعرض أربع مرات وأطول مرات عديدة، يحتوي على عدد أقل من البشر -لحسن الحظ- وعدد كبير من الغربان، وسور أقرب لسطح الماء وموقع أكثر من رائع لتناول الطعام وقضاء وقت لتتأمل وتصفية الذهن وقد كان.
للمرة الثالثة أجد في السويس ما يستحق الكلام عنه ولم يذكر.

في نهاية الوليمة بدأنا في التوجه لحي (الأربعين) في رحلة الرجوع، وصلنا وركبنا الميكروباص لمنطقة (الموشي) حيث موقف السيارات، وبعد مهاترات مع السائقين الذين يريدون تخطي أدوار زملائهم في التحميل تمكنا في النهاية من الحصول على سيارة، كانت من نوع (رينو) موديل جديد تسع لسبعة أشخاص فشعرت بالرفاهية.

وصلنا في نهاية الرحلة لمنطقة (الكوربة) بمصر الجديدة.

أستطيع القول إني استمتعت، وأن مدينة (السويس) بها أكثر مما أُخبرنا به، وإنها تستحق إعادة الزيارة والإكتشاف.