mercredi 2 juillet 2014

تأملات في فيلم "Blindness"..!!

يُنصح قبل القراءة مشاهدة الفيلم من الرابط الآتي بالضغط هنا.
*  *  *

أولاً فيلم (Blindness) هو فيلم مقتبس عن رواية بنفس الأسم للكاتب (جوزيه ساراماغو)، تتحدث عن إنتشار وباء يؤدي إلى حالة من العمى الأبيض، تجعل المريض لا يرى سوى ضوء أبيض مشّع. بدأ المرض بحالات فردية لم يلبث قبل أن يتحول لوباء مُعدي، على إثره قامت الدولة بإقامة مناطق حَجْر صحي لمحاولة الحد من إنتشاره.


الأشخاص الأولى في الظهور كانوا لص، عاهرة، طبيب وزوجته قبل ظهور أشخاص محورين فيما بعد. المثير للإنتباه -وهو ما لم نفهمه حتى نهاية الفيلم ولا أظن أن الكاتب اهتم حتى بتفسيره- هو أن زوجة الطبيب هي الوحيدة التي لم تصَب بالعمى، بل ولتظل مع زوجها ومرافقته في الحَجر، ادعّت العمىَ.


تناقش القصة كتير من المواضيع، مثل إرساء الضوء على طبيعة البشر المتخلفة التي تبدأ في الظهور مع غياب الأعراف الإجتماعية بداخل الحَجر وإنتشار الفوضى وفرض شخص نجح في تهريب سلاح سيطرته على باقي العنابر، بكل ما تحمله القصة من ذكاء في الوصف وتطور العلاقات البشرية ورجوعها لبدائيتها في أول فرصة لتعلن عن ذاتها، إلا أن ما يهمني حقاً هو التركيز على بعض المواقف اهتم المخرج بالتعبير عنها بصورة بصرية فقط دون الرجوع لأي كلمات سافرة عاجزة بينما ارتكز لتوصيل الفكرة على براعته في رسم صورة سينيمائية تنضح بمعانٍ كُثُر.


الموقف الأول هة مرور صبي في أرجاء الحَجر بحرية تامة يحاول أن يتلمس طريقه بين الحوائط والحدود وبين معوقات المكان، يمشي في طريق خالي لا يلبث أن يتوقف ويتأوه من الألم إثر إصطدامه بمائدة حديدية ظهرت فجأة من العدم محدثة صوت إصطدامه بها وإحتكاكها بالأرض، ثم يتكرر المشهد أكثر من مرة.


أظن إننا نمشي في هذه الحياة بعمى، أو بحدودنا البشرية، أو بعدم شجاعة للمضي خلف ما يقوله لنا قلبنا بالرغم من همساته المتبصرة وكثيراً ما نتصطدم بأشياء تسبب لنا الكثير من الألم فنتوقف ونغير مسار تحركنا مثل نمل وضعنا إصبعنا أمامه، أو نتوقف متظرين زوال الألم قبل أن نحصل على الشجاعة مرة أخرى للمضي في طريقنا عاجزين عن إكتشاف حياتنا -حقاً- إلا عن طريق الألم.


قد يكون الألم في حياتنا ليس خبرة تؤذينا إنما علامة.
الألم علامة على إننا نتحرك
لم نفقد الأمل بعد، لكنا اصطدمنا.
الألم علامة على إننا نملك من المعنى في حياتنا ما نخاف من زواله
إلا إنه ينساب من بين أصابعنا  أحياناً.
الألم علامة على إننا أحياء، مازالت لدينا القدرة على الإستكشاف
والمضي أبعد من آلامنا لإستقبال آلام جديدة وعلامات جديدة ومحاولات جديدة للطريق في الكشف عن ذاته
ودليل إني لا زلت مفعم بالحياة ومازال في جعبتي مكان لإستقبال آلام جديدة وعلامات جديدة.


الموقف الثاني هو النهاية.
المشهد يحكي عن بعض الأشخاص ينجحوا في الهروب من الحَجر حتماً بمساعدة زوجة الطبيب التي لم تمرض بالوباء حتى الآن، فقادتهم نحو متجر لتَعِب بعض الأكل الطازج في أكياس قبل أن تقود المجموعة إلى البيت حيث فرصة أكثر للراحة في سرير أكثر دفئاً وأكل أكثر إحتراماً، فقضوا اليلة الأولى ليستيقظوا صباح اليوم التالي على رائحة الإفطار الذي تعده ورائحة قهوة طازجة جيدة الصنع كانوا محرومون منها لفترة طويلة، وبينما يقوم أحدهم بشربها تبدأ لمحات من الرؤية ترجع إليه ويصادف إنه من أوائل حالات العمى مما يعني أن ما هي إلا مسألة وقت قبل أن تنقشع الغمامة عن أعين الباقين.


وهنا تبدأ بعض التساؤلات في الظهور بين شخصين بدأ يجمع ما بينهما الحب، عاهرة وشحاذ. فمع ظهور أسوأ ما في الإنسانية بشكل فَظ في الحَجر، إلا أن أنبل ما في الإنسانية لم يأبَ أن يتخلي عن سطوته من خلال إظهار نفسه بين طيات شخصين متحابين أذابوا الفروق الشخصية، الشكل، الجمال الخارجي، الدين، التاريخ ليحبوا بعضهما، فيبدأ الشحاذ الأعور في التساؤل "أستظل تحبني حتى بعد أن ترى شكلي؟!"


تتركهم زوجة الطبيب بين حيرتهم في إتخاذ قرار الفرحة أم الخوف أم الحزن لتخرج في الشرفة التي تطل على المدينة لتنعم بشعور واحد، هو إنقضاء عبء تحملته للإعتناء بكل من حولها، آن له أن ينتهي، فرفعت عينيها نحو السماء لترى لا شيء سوى البياض الناصع فيخفق قلبها وتتغير ملامحها للتحول طفل أضاع شيئاً ويبحث عنه مع شخص أكبر سناً.. لقد أصيبت أخيرا بهذا المرض، هكذا ظنت قبل أن تغير اتجاه نظرها من السماء لتنزل به على المدينة لتكتشف إنها لم تصَب بالعمى إنما ما رأته كانت سماء ملبدة بالغيوم لدرجة إعتقادها إصابتها بالعمى، جَل ما كان عليها أن تفعله هو أن تغير إتجاه نظرها، أو الإتجاه الذي تبحث فيه عينيها عن الضوء.


قد نكون عمياناً إنما قد يكون السبب هو تركيز بحثنا في الإتجاه الخاطيء، حيث لا يوجد ما نبحث عنه ونبدأ بإتهام أنفسنا بعدم القيمة وأن حياتنا بلا معنى، خاصةً ظناً منا العمى، بينما جَل ما علينا فعله هو شجاعة تغيير إتجاه نظرتنا، بكل ما تحمله من مخاوف عدم وجود الضوء في إتجاهات أخرى، إنما هذا هو الثمن الذي ندفعه لنتبصر.

أو هكذا أظن..