mardi 22 octobre 2013

صلاة من أجل الحرب..!!

في بعض المعتقدات القديمة كانت توجد طقوس دائماً من أجل نزول المطر، أو زيادة المحصول أو خصوبة الماشية، ومع مرور الزمن وإنجلاء سحابات عن العلوم أدركنا أن بعض تلك الظواهر في أيدي البشر للتلاعب بها دون الحاجة لرقصة طقسية، فأصبحت الأمور أكثر منطقية؛ فلندع طقوسنا لما لا نفهمه أو ما يستعصى علينا التحكم به. ولكن ما من حدث مؤثر في التاريخ ويصعب التحكم به أكثر من الحرب.. فلنقم إذاً بصلاة من أجل الحرب.


يا الله الحنون
يا أرحم الراحمين
يا خالق كل نسمة رقيقة تداعب نوار الحقول فجراً
يا من شكلت شمس الغروب
لتنفذ بروحك من خلالها إلى كل ناظر
فتلمسه من إلتقاء الروحان


يا أبتي
لك أطلب أن تحرق روح أعدائي
اكسر قلوبهم
حطّم أفئدتهم
اعلِ من صوت نساء تصرخ حين تبقر بطونهم حتى عنان السماء
ضاعف من صدى صراخ أطفال تُقتل قبل أن تتعلم الكلام
زِد من مكاسبي يا رؤوف
هبني التسلط على كرامتهم يا عليّ
اعطني نفحة من رجاء مذلتهم
عِدني يا سيدي سلام نفسي على أنغام بكائهم العذب
أشكرك أيها الإله الأمين.


صلاة من أجل الحرب.. لما لا؟!
قد تكون أول صلاة حرب مكتوبة، بينما في الحقيقة ترددها القلوب كل يوم، فلم الإستنكار؟!
الحرب شيء أساسي في مكون البشر، مثلها مثل الأكل والشرب؛ فلنعلم أطفالنا إذاً أن نصلي قبل الحرب وبعدها، فالناس من الممكن أن تؤجل أي شيء من أولوياتها، حتى الصلاة، إلا إنها تأتي عند الحرب لتتوقف، فهي غير قابلة للتأجيل! أتكون الحرب أقدس من الصلاة؟
أليس من الأحرى بنا أن نحارب من أجل الصلاة وليس العكس؟
أيكون هذا هو المبدأ في النهاية؟ ابذل روحي لأصلي، بدلاً من أن أصلي لأبذل روح غيري؟ أن تكون الصلاة هي حرب ضد أغشية تحجب عنّا الله؟ أن تكون الصلاة حرب في حد ذاتها؟


فليكن..
لنجرب حرب الصلاة..


يا الله الحنون
يا أرحم الراحمين
يا خالق كل نسمة داعبت إنسان في لحظة يأس
فظن وجود الأمل
يا من شكلت من ضحكة طفل معنى للسلام
يتردد صداها في أرجاء أذن لا تسمع سوى صوت الرصاص


يا أبتي
لك أطلب أن ترفع عنّا غشاوة قلوبنا
أن تُطيّب جروحنا
أن تجبّر أرواحنا المنكسرة تحت وطأة الحرب
أن تعلِ من صوت عقل يدعو للسلام
حتى يصل بقاع الأرض البعيدة
ضاعف من إيمان أشخاص متجهة أنظارهم نحوك
زِد من عزم كل داعٍ لنبذ السلاح
هبنا الإستطاعة أن نراك في أقسى أيام القتال ضراوة
اعطنا لمسة من عزاءِ ساعة فقدان عزيز
عِدنا يا سيدي سلام يطغى على صوت الدبابات
شكراً أيها الإله الأمين


mercredi 18 septembre 2013

همزة وَصْل..!!

لم أهتم قبلاً لتوثيق ما يحدث في حملة (همزة وَصْل)، دائماً ما كانت بالنسبة لي حدث سيمر وينتهي، لكني شعرت بالضيق أننا ما تمكنا من تصوير وتوثيق الحدث السابق.


حملة (همزة وَصْل) تهدف أساساً إلى الربط ما بين المجتمع بشكله المعروف وبين فئات نبذها المجتمع لأي سبب من الأسباب أو لأي أفكار مسبقة أنشأت حالة من دائرة مفرغة لا جدوى ولا طائل منها. وتقوم الحملة على إنشاء رابط إنساني مع من تم رفضهم والحكم عليهم بشكل يخلو من الإنسانية واللاعقلانية، وإرساء دعائم وعي في دوائرنا المجتمعية الضيقة عدداً وأفقاً.


تمحور المشروع السابق حول دعم أشخاص طالبي علم ممن لم تتِح لهم الظروف المادية الإمكانية للتعليم، وتم إختيار قرى الفيوم كحقل عمل أولاً، ثم تم تغيير المكان لمدرسة بعينها في منطقة (العمرانية) بمحافظة (الجيزة).


كانت الفكرة أن نقدم حقيبة مدرسية تحتوي على إحتياجات دراسية لعام واحد تقريباً وبالتنسيق مع مدير المدرسة تم إختيار مجموعة من الطالبات في الدرسة.


في اليوم المحدد إنطلقنا بسيارتين محملتين بكل المطلوب، اتجهنا لشارع (المدارس) خلف سنترال (العمرانية) ودخلنا مدرسة (المحمدية – بنات) وكان لأثر دخول السيارة محملة بالحقائب الحماس في عيون أطفال اعتبروا الموضوع هدية خاصة موجهة لهم قبل أن تكون تسهيل لفرص التعلم.


كانت المدرسة على قدر بساطتها نظيفة مهندمة إلا أن عدد المنتظرين يشي بإحتياج هائل، فللأطفال هو شكل من الإهتمام المتمثل في هدية وبالنسبة لأولياء أمورهن هي فرصة لتخفيض النفقات على أطفال ليسوا أبنائهم إذ أن كل فتاة تواجدت هي يتيمة يعولها أحد أقاربها يجد من الضيق المادي إعالة عائلته الخاصة أصلاً.


دخلنا باب المدير فلفت إنتباهي لافتة تعلن توقف التحويل للمدرسة لعدم وجود أماكن خالية، ففكرت لأي مدى يعني عدم وجود مكان خالي في تلك المدرسة، ففي دور السينما مثلاً هذا يعني أن جميع المقاعد امتلأت بالمشاهدين ولا يجوز أن يجلس متفرج أرضاً، أما في هذه المدرسة فما يعنيه هذا؟ أن كل مكتب من المفترض أن يحمل إثنين يحمل الآن ثلاثة فلا يمكن أن نُحمّله أربعاً أو يكون أن الأرض امتلأت أصلاً ولا مكان لمن يجاور الجالسين أرضاً؟ خرجت من التساؤلات على ورقة أخرجتها مسئولة الخدمة الإجتماعية بها أسماء البنات مقسّمة في جدول قبل أن تعاتبنا على تأخيرنا حتى أن إحدى البنات المصابة بمرض القلب أرهقها إنتظارنا فرجعت بيتها!


اتفقنا على ما يلزم، منه ما يمنع التصوير حتى وإن كان بآلة تصوير لهاتف محمول قبل أن يسمحوا لنا بدخول المسرح، ساعدتنا البنات في تحميل الحقائب والأدوات المدرسية وأغلقنا المسرح علينا ولم يُسمح لأي فتاة صغيرة بالتواجد سوى ابنة مسئولة الخدمة الإجتماعية فكانت خير عون لنا.


المدرسة تشبه إلى حد كبير مدارس قرى ومراكز الصعيد وإن كانت أفضل حالاً بشكل طفيف، حتى روح الناس هناك لا تختلف كثيراً في البساطة والصراحة ولهفة الإحتياج أو الترفع عنه بشكل وقور عما رأيته في قرى وأكوام الصعيد إلا أن الوضع هنا قاسي، حيث تشتد حدة التباين بين ما يعيشونه وبين ما يعيشه من تناسوهم على مسافة ساعة على الأكثر بأي مواصلة ليفقدوا أي أمل بالتغيير.


بدأنا بفتح الحقائب وتعبئتها، عشرون كراسة، ثلاثة أغلفة من الجلاد (ثلاثون فرخ) ومقلمة تحتوي على عدد إثنان قلم جاف، واحد مسطرة، واحد ممحاة وواحد برّاية، وبدأنا بصفهم قبل أن يطلب منّا المدرسون بدء التوزيع.


اقترب الأطفال بمعيليهم من الباب فاقتسموهم بعدها لكثرة العدد بين باب ونافذة المسرح، تقوم مسئولة الخدمة الإجتماعية بمناداة الأسامي تدخل الفتاة وتحمل حقيبة كاملة فتقوم المسئولة بوضع علامة صواب أمام اسمها، بينما تقوم ابنتها بمساعدتنا في التعبئة والنقل، وفي إنتهاء اليوم أعلنت لنا –طبقاً للكشف- أن من تخلف عن الحضور هما بنتان فقط فحجزنا لهما حقيبتهما وعندما حاولنا إهداء ابنتها حقيبة رفضت: "لا أنا مش من الأيتام، أنا عندي بابا وماما جالوا لي الشنطة والحاجات، ادوهم هما" إلا إنها أخذتها في النهاية بعد إلحاح منّا وتم توزيع باقي الحقائب المشتراة زيادةً عن تقدير مسئولة الخدمة الإجتماعية على أبناء العاملين في المدرسة من الدادات وحارس المدرسة.


خرجنا من المسرح –لا أحتاج للإشارة أن كلمة مسرح تدل على مساحة وتجهيز تجعل من شقق بعضكم مسرح سياحي- لنقابل الفتيات يحملن الحقائب على ظهورهن بمنتهى السعادة.. والثقة! بدأن الكلام معنا عن فرحتهم بالحقيبة الجديدة أثناء مشيتهن الأقرب للرقص وهن ممسكات بأذرع الحقيبة، وعندما سأَلت إحداهن إن كنّا سنأتي مرة أخرى تدخلت مُدرسة للرد قبل أي محاولة منّا حتى للتفكير في رد "طبعاً هيجوا هيجوا.. هيجوا في العيد" تتبعه بإبتسامة فهمتُ منها أنها مدركة أن من ينهي لقائه بوعد المجيء هو بالذات من يختفي من حياة أولئك الفتيات.



دخلنا مكتب المدير مرة أخرى لنشكره على تعاونه معنا وخرجنا، فألقيت نظرة أخرى على ورقة إعلان إمتلاء الأماكن قبل أن أخرج، ركبنا السيارة وانطلقنا مرة أخرى إلى حياتنا، حيث الجانب الآخر من شدة التباين.

samedi 7 septembre 2013

ومن الكمال ما نقص..!!

في بداية حياتي لطالما امتعضت من جملة لم يقدر الزمن على إخفاءها لتطل بوجهها القبيح من آن لآخر، مفادها أن على المرء مد أقدامه سعة غطاءه غير ذلك هو جهدٌ بلا طائل، ولطالما شعرت بضيق أفق المقولة، أفليس من الأجدىَ أن نشترى غطاءاً أوسع؟!!
*  *  *


في بعض المناسبات يمنُّ علينا الكبار بألعاب بسيطة لمن هم في سننا، دون العاشرة أو ينيف، أغلبها تكون تلك الألعاب التي نستطيع اللعب بها بدون الحاجة إلى كهرباء، كألعاب الذكاء البلاستيكية والتي من ضمنها -وأشدها رعباً لي- هي المربع الذي يحتوي على مجموعة أصغر من المربعات مع غياب أحدهم لإتاحة مساحة التحرك للآخر. كنت أخاف منها لأني لا أستطيع أبداً إرجاع المربعات لشكلها الأصلي وينتهي بي الأمر إلى تفكيكها واللعب بأجزاءها على حدىَ ثم رميها.. وهنا تتوقف اللعبة، وحتى إن ندمت وفكرت في إرجاع أجزاءها ومن ثَم إستكمال الطريق حتى النهاية، يكون من الصعب تركيب لعبة سالفة التخريب.


حدث من ضمن المرات القليلة إني قررت أن ألعبها بشكل صائب وهنا عانيت دائماً فكرة أن أكون كَوّنت أغلب الصورة ولا يبقى لي سوى أن أجلب أول مربع ليصير الأخير، وفي الطريق يتغير ما حققته من إنجاز ليغدو خلقاً مشوهاً وفي محاولة مني لترميمه أضيّع القطعة الأخيرة من الأحجية في مكانٍ آخر،  ولأجدها يتعين عليّ هدم ما توصلت إليه من نتائج، و في النهاية إما أتركها أو ألجأ للغش فأخلع القطعة الناقصة لأركبها في مكانها المخصص لها، إلا أن لا القطعة تستقر بالحشر ولا أنتهي أنا بإحساس الرضا.
*  *  *



المشكلة في حيواتنا أن فرص الغش بهذه النتيجة نادر، ومؤقت إكثر من اللعبة إن حدث، أما عن الهروب وترك اللعبة، ففي حياتنا هذا شبه مستحيل في حياة أكثر إلحاحاً من لعبة يشدك فيها التحدي.


حياتنا تحركها أهداف، حتى وإن كانت بسيطة أو إن كنا غافلين عنها أصلاً، إلا إنها المحرك الأساسي، أو بالأحرى هي النواقص في حياتنا التي تدفعنا لإنشاء أهداف.

تعددت النواقص ومن ثَم أساليبنا في الوصول إليها. فكلمة نواقص تأتي لتشمل منصب نسعىَ إليه، مستوىَ ماديّ، مكانة بالنسبة لشخص آخر، إحتياج لنبذ شخصٍ من حياتك، إحساس مفاجيء بالغربة وسطة زحمة أصدقاء، أو حتتى تتطلُع للتقرب من شخص لسببٍ ما لم تدرك كنهه بعد.


نحاول بشتىَ الطرق أن نملأ فراغات النواقص في حياتنا، ودائماً ما نجد المربع الغائب فنحاول ملء فراغه بمربعٍ آخر ظناً منّا توصُلنا للكمال بينما أنقصنا بقعةٍ أخرىَ وأوجدنا فراغاً جديداً يحتاج لملء عكَس رغبتنا الأولى في ملء ما نقُص.


ضبطاً بعد ملء فراغ نبداً في التفكير في الثمن الذي دفعناه إزاءه، أو بالأحرى ما نقص على صعيدٍ آخر، ما هي المكاسب وما هي الخسائر جراء إختياري؟

*  *  *


هل سأصل للصورة الكاملة في النهاية؟
هو السؤال الذي يلوح فوراً بعد إدراك أن إنغماسي في الدراسة أنساني تكوين صداقات طويلة الأمد، أو أن ترتيب أولوياتي لعائلتي أعماني عن إلتزماتي بالعمل أو محاولتي للتقرب من شخص أشردني عن حقيقة أن ما كونته من مربعات سيزول عندما أصل للمربع البعيد.. فأقربه.


الغريب إننا إذا توصلنا للشكل النهائي سنترك اللعبة! نحن نعرف الشكل لأننا رأيناه قبل أن نعبث به بأنفسنا، أما عن الحياة فما هو الشكل الذي يسعى إليه كلٌ منّا وصولاً؟ وكيف نعرف إذا كنّا وصلنا أم لا؟


في اللعبة، الشكل الكامل ينقص دائماً قطعة لإتاحة التحريك من البداية. أنكون وصلنا للكمال في حياتنا ولم ندرك لغياب قطعة القيد ووجود مساحة الحرية دائماً؟ فنعبث من جديد في كمالنا الذي وصلنا إليه تواً ونضيعه لنبحث عنه من جديد غير عالمين إننا قد وجدناه.
*  *  *


ماذا يحدث إذا أدركنا وصولنا لمسعانا.. هل سنترك الحياة؟ أسننتحر آنذاك؟ أم ننتظر زوال الأيام؟
النقص يسبب الألم، نعانيه خلال السعى أو بعد خسارة إنجاز في محاولة منّا لإستيعاب إنجاز أوسع وأضخم، فما أخلفت ورائي سوى العدم؛ لا استبقيت إنجازي القديم ولا تنعمت بحلاوة حلمي الجديد لمرارة سابقه.


إلا إننا نعيش. نعيش في حلقة من الفراغات والسعي لملئها بأقل  الخسائر، لكنها تظل خسائر ولولاها لثبُتنا في مكاننا لا نحرك ساكناً، نعد الأيام منتظرين نهايتها؛ بينما ألم الفراغ هو ما يحيينا ويميزنا عن غيرنا ممن تجاهلوه وآثروا الركود، فماتوا وسط عاصفةٍ من الجمال.


جمال حياتنا يكمن في عدم كمالها، يتجلى في بحْثنا عن الفراغات ومحاولتنا لملئها المدفوعة بإحساس ألم ناتج عن إنتزاع المربع الأمن من حياتنا لتطييب فراغ كان يؤلمنا سلفاً.


حياتنا هي مسيرة من البحث عن الذات وتكوين صورة كاملة لها يتخللها فراغات جديدة يتبعها دائماً ألم، بينما من كف عن الشعور به أو تجاهله فقد رمىَ لعبته الخاصة مدعياً موته عن إكمالها.. فغفل جمال الحياة!

*  *  *

vendredi 8 février 2013

مصطلحات ثورية..!!


عرفنا فيما عرف التاريخ أن هنالك شخص بـ(تونس) قام بإضرام النار في نفسه إثر صفعة تلقاها من شرطية حاولت التحفظ على عربة الفاكهة التي تنوله رزقه كبائع جائل، كما منّ علينا التاريخ بخبر موت شابٍ بالأسكندرية بين سببين إما إبتلاعه للفافة بانجو بحسب الإعلام الرسمي لوزارة الداخلية أو نتيجة لتعذيب مخبري الداخلية له لرفضه تبعات قانون الطواريء بحسب أقوال أهله وبعض أصدقائه، إلا أن السؤال هو، ما معنى موت هذا أو ذاك؟! ما معنى موت أكثر من 1500 شخص غرقوا أو فقدوا في نفس السنة (2011) عند محاولتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط في محاولة بائسة منهم للهجرة غير الشرعية؟! ما معنى موت الآلاف بمرض السرطان سنوياً؟! ما معنى أن تفقد أخت أو أخ أو أب أو أم أو أي عزيزٍ كان؟! الإجابة هي لاشيء، لا معنى له!
قد تكون الإجابة قاسية لكن لا معنى لموت (البوعزيزي) ولا معنى لموت (خالد سعيد) ولا معنى لآلاف الأشخاص الذين يموتون هرباً من الواقع أو ضحية مرض، أيضاً لا معنى لموت قريبك الذي رحل عنك، أو عزيزك الذي فارقك؛ قمة في العبث هو الموت كما هي قمة في العبث هي الحياة وأحداث البشر.



ما هو المعنى وما هو العبث؟
المعنى يا عزيزي هو أن تبحث عنه بنفسك بينما العبث هو أن تريح مؤخرتك المترهلة مكتفياً بالحكم على الأمور بأنها عبث.
كاد أن يمر موت (البوعزيزي) برزيلة العبث، لولا من قام بإيجاد المعنى في موت (البوعزيزي) كشرارةٍ للثورة، وكاد موت (خالد سعيد) أن يخمل في بوطقة العبث لولا تسلمه لشرارة المعنى من قرينه التونسي، أيضاً موت عزيزك كان ليؤول دون معنى لولا وجودك وإعطاءك لموته وحياته معنى، وإلا لمات حقاً.
معنى ما نمر به من احداث هو مدى إستيعاب قدراتنا على إيجاد المعنى في الأشياء، فإن نتركها بلا معنى اغتلناها بقسوة أشد من الحقيقة نفسها، وإن أجدنا لها المعنى تغذت عليه من إيماننا بها.


ما هي الأنانية؟
إن كانت الأنانية هي حب الذات فلك أيها الأناني ألفت نظرك أن حبك لذاتك وتوفير سبل الراحلة لدائرتك الضيقة لا يخلو من حب البلد، إذ لا يمكن تشكيل دائرتك الضيقة بلا مساهمة في الوطن، فيصعب على قاطن مقابع القمامة أن يحظى بنسيمٍ عَطِر إلا إن بدل بيئته، فحتى الأناني إن عاش أنانيته ملء الحياة لأصبح أشدنا وطنية، فمن أنت؟!


وبالتبعية ما هو الأمل وما هو اليأس؟ وما الفرق بين اليأس والخيانة؟
الأمل هو إيمانك بإمكانية تحقيق مستقبلٍ أوسع حتى وإن كان نابعاً من حبك لذاتك وحدها، فإن فهمت معنى حبك لذاتك فقط حق الفهم لأصبحت أكثرنا بذلاً لذاته من أجل الآخرين، أما اليأس هو تخليك عن الإيمان –أم أن الإيمان هو من تخلى عنك لعدم تشبثك أنت به- فحتى نفسك لم تعرف أن تحبها، وإن لم يكن عدم محبة الذات والعمل عكس مصلحتها هو الخيانة فما هي؟!


تابع أغلبنا بشغف موقف سحل المواطن (حمادة)، ولم نتعَد الغضب تصرفاً، ثم فوجئنا بموت (الجندي) متأثراً بآثار التعذيب، فلم نتعَد الصياح في المنزل فعلاً، حتى أن أغلبنا لم يعرف أن هناك من سبقه موتاً، فهنالك (سامح محروس فودة) بقسم شرطة شبرا الخيمة في 16 أغسطس 2012، و(عاطف المنسي) بقسم شرطة ميت غمر في 16 سبتمبر 2012، و(محمد إسماعيل عزام) بقسم شرطة طهطا بسوهاج في 24 سبتمبر 2012، و(سامح أحمد فرج) بقسم شرطة الوراق في 14 يناير 2012 وغيرهم، فلم نقُم حتى بالإنتباه مجهوداً!



الإنسان هو من يعطي للأشياء معنى، الإنسان هو من يعطي للأحداث معنى، وبالتبعية فإن مر ما حدث من سحل مواطن وتعريته، وتعذيب أفضى إلى موت لأكثر من شاب، المعروف منهم والمطموسة سيرته، أو ذاك الصبي المحجوز الذي ينتهكه سرطان العظام قبل ظلم الداخلية مر الكرام أو حتى أقل قليلاً، فإننا جردناهم من المعنى ومن ثَم اغتلناهم أشد قسوة مما قاسوه هو، وظلمناهم أشد ظلماً من ظالميهم، فالثورة هي من أعطى المعنى لموت (البوعزيزي) و(خالد سعيد) وغيرهم، والمعنى هو من أعطاهم الحياة حتى الآن، فالثورة لا تنفصل عن الحياة، بل الثورة هي الحياة.



اعط معنى
ثُر
عِش
ولا تخف
فالموت ليس النهاية
*   *   *
المقاومة هي الحل.
*   *   *

أعراض جانبية..!!


يستيقظ (صابر)، يفتح عينيه ببطء على ضوء الغرفة الأزرق، ينظر لساعته فيجدها متوقفة، يزيل الغطاء ويعتدل في جلسته، يبحث عن خفيه فلا يجدهما، يخرج للصالة حافياً، يزيح باباً لا يقوى على الإنغلاق أصلاً، ينظر إلى ساعة الحائط لينتبه أنه استيقظ باكراً عن المعتاد بنحو ساعة، يجلس على أقرب كرسي فيسمع أزيزه، يستند على ركبتيه اللتان يغطيهما سروال المنامة، يحك كتفه الظاهر تحت الفانلة الداخلية التي يكره إرتداء ما يغطيها، حتى أنه أضاع جاكت المنامة عن قصد مما تسبب له في مشكلة مع زوجته، ينظر للفراغ نحو عدة دقائق قبل أن يستفيق وينتهز فرصة إستيقاظه المبكر، أخذ خفيّ ابنه الأكبر والتقط بعض النقود من جيب سرواله المعلق بباب الغرفة من الداخل وانطلق على درجات السلم، يسمع وقع خطوت قدميه على الأرضية، يخرج ليجد أن الشمس لم تشرق بعد، يستنشق هواء الصباح البارد قبل أن يخرج من شارعه الضيق صوب الشارع الرئيسي حيث عربة الفول على بعد ناصية، يقترب ويشتري شطيرتان من الفول بالزيت الحلو، فهو يكره الزيت الحار، يقترب من بائع الجرائد لينحني ويلتقط جريده، يدفع ثمنها ثم يرجع مرة أخرى ووجهه لا يحمل أي تعابير كأنه لم يفعل شيئاً ليضيف شعره الأشعث على جانبي صلعته من البلاهة ما لا يوزن، يصعد السلم ويزيح باب شقته الذي تركه موارباً، يعد الشاي ويفتح لفة الفول، يلتقط الشطيرة التي تحتوي على عدد مماثل من حبات الفول والحصى، يمضغها في لا مبالاة وهو يتابع الأخبار في الجريدة "شاب يحرق نفسه في دولة شقيقة" يغير الصفحة ليبحث عن (حظك اليوم)، هو ليس من الأشخاص المؤمنين بتلكم الأمور، إنما هي العادة أو الفضول، يقع نظره على خبر قديم في ورقة الجريدة حيث تقبع شطيرة الفول الأخرى في براءة "وفاة شاب يبتلع لفافة بانجو بالإسكندرية بعد محاولة المخبرين التحفظ عليها، بينما يتهم أهل المتوفَى المخبر بتعذيبه والتسبب بموته. تدخل اللواء..." مط (صابر) شفتيه ودعى على مدمني المخدرات وأولئك الذين يحرقون أنفسهم. أكمل شطيرته ودخل غرفة النوم بعد أن ابتلع بعض حبيبات الشاي المتبقي التي يعشق إستحلابها، اختار بعض الملابس دون أنا يختار فعلاً ليرتدي في النهاية لوحة سيريالية، يلقي نظرة على زوجته التي تغط في النوم بذاك الوشاح الذي يكتنف رأسها قبل أن يخرج، يتزل فيرتقي أسفلت الشارع ويمشي حتى يصل إلى المحطة، ينتظر فتداعب مسامعه كلمة "تونس" أكثر من مرة فلا يعرها إهتمام، يقفز في أول حافلة تمر على مكان عمله، يدفع ثمن التذكرة ويبتعد شاقاً طريقه وسط كومة اللحم لتفرض لفظة "تونس" نفسها مرة أخرى، فيتسأل في سره عن علة تكرار الاسم لتأتيه الإجابة على لسان الكومسري، سمعها بصعوبة " يعني عيل كافر ابن ...... حرق نفسه في (تونس) عمال لنا الغَلبَة دي كلها؟!!" يمط (صابر) شفته السفلى في فهم –أم تراها غير مبالاة؟- ثم يحني رأسه لينظر من النافذة، فيهرع ناحية الباب الخلفي إستعداداً للنزول إلا أن الحافلة لم تتوقف، قفز عند أول فرصة أبطأت في الهُدى وهو يلعن سائقي الحافلات الذين لا يتوقفوا في المحطات، يدير ظهره ويرجع بضع الخطوات التي أضاعتها عليه الحافلة، يقترب من مدخل المصلحة، يحيي الفرّاش دون أن ينظر له، فيقف الأخير راداً التحية دون أن تكف مؤخرته عن لمس الكرسي فعلياً، يصعد (صابر) درجات السلم ويدخل غرفة مكتبه المكتظة بأربع مكاتب لزملاءه، يلقي السلام ولا ينتظر رد، ثم يجلس على الكرسي وبدون سبب يفتح عينيه على وسعهما فيخرجا عن محجريهما كأنه أفاق للتو من النوم أو كسب مليون جنيه في مسابقة تلفزيونية رخيصة، ثم يرجع لحالته الأولى ويعيد عينيه لمحجريهما بلا سبب أيضاً، ينظر للورق الموضوع على مكتبه ثم ينظر لزملاءه فيجدهم منكفون على مكتب أحدهم يتبادلون أخبار قفزت بعضها إلى (صابر) الذي تسأل بدوره "مين خالد سعيد ده؟!!"

*   *   *
تمر الأيام والشهور وروتين (صابر) كما هو، حتى أنه لم يتخلَ عن عادة مشاهدة التلفاز قبل النوم، جلس على الأرض وأراح ظهره نحو الأريكة وفتح التلفاز ليجد مسئول كبير بشارب رفيع منمق يعلن أن "مصر ليست (تونس)" لم يفهم القصد من المقارنة أساساً فغير القناة ليجد تلك المذيعة المثيرة تتكلم بحماسة عن الإنتخابات الرئاسية التي ستقام في اليوم التالي، تابع (صابر) ما تقوله الفتاة حتى غلبه النعاس فقرر أن ينام باكراً تحسباً ليوم الغد الحاسم، إما سترجع زوجته من عند أمها مصطحبة إياها أو ستأتي وحدها، دخل لينام فترة استيقظ بعدها شاعراً إنه لم ينَم أصلاً، إلا إنه قام بروتينه الطبيعي متثاقلاً بالطبع وأضاف عليه توجهه للمدرسة التي يقوم فيها بالتصويت، دخل اللجنة وأشار على اسمه في الكشف، انتقى القاضي ورقة إبداء الرأي فأعطاه إياها، أخذها (صابر) وابتعد ليختار مرشحه الذي لاحظ أن اسمه مكتوب بخط أكبر بشكل لن يلحظه أغلب المصوتون إلا إنه استنكر على نفسه الملاحظة الفظة فإدعى الإشتباه، التقط القلم واقترب من المربع الصغير وقام بوضع علامة (صح)، أبعد وجهه عن الورقة بطول ذراعيه ليتأكد من إختياره قبل أن يلقى بها في الصندوق ليلحقه بالحبر الفسفوري، اقترب بوجهه مرة أخرى ليتأكد أن علامة الـ(صح) بجانب مرشحه، ها هي علامة الـ(صح) وعلى نفس السطر بالضبط اسم مرشحه (جمال مبارك).
*   *   *
المقاومة هي الحل.
*   *   *

lundi 28 janvier 2013

قاوم..!!


قاوم بحق كل خفقةِ قلبٍ دَوت بين ضلوعك
يَوم وُلدت لأول مرة


قاوم بحق كل شهيقٍ نفَذ إلى روحك
يوم أدركت الوجودَ لأول مرة


قاوم بحق كل زفيرٍ استقطعته من لدُنك
يوم صرختَ لأول مرة


قاوم بحق كلَ رشفةِ ظمأ
يوم رضعتَ لأول مرة


قاوم بحق كل هزيمةٍ للخوف
يوم ارتميتَ في حضن أمك لأول مرة


قاوم بحق كل رعشةٍ واتتك
يوم توكل أبوك عليك لأول مرة


قاوم بحق كل إختلاجةٍ انتفضتك
يوم أحببت لأول مرة


قاوم بحق كل حيرةِ مشتاقٍ
يوم خططتَ حياتك لأول مرة


قاوم بحق كل خوفٍ إعتراك
يوم حلمتَ لأول مرة


قاوم بحق زهرةٍ أحببتها في حديقة
بحق نيل استأنستَ إليه
قاوم بحق يأسٍ داعبك يوماً
بحق حُزنٍ غالبك حيناً
قاوم بحق طريقٍ ارتحت إليه
بحق سلامٍ انتابك لوقفة الكورنيش
قاوم بحق فرحتك لفسحة الفَلوكة
بحق الشاي بالنعناع علَى قهوة البورصة
قاوم بحق كل دعاءٍ سمعته من عجوز ساعدتها
بحق كل عقد فُلٍ اشتريته إرضاءاً للبائع
قاوم بحق كل فيلم رسَم على وجهك البسمة في نهايته
بحق كل طفلٍ غلبَ غُلبك
قاوم بحق يوم عرفت أُبوتك
بحق إحساسِك بركلة جنينكِ في عمق رحمِك


قاوم بحق يوم آمنتَ بالثورة
فوُلدت
بحق يوم ملأتَ رئتيك من غازِها المقدس
فتَطهرتَ
قاوم بحق يوم زفرتَ من قُوتك
فهتفت
بحق يوم آزَرت مصاباً
فسمَوت
قاوم بحق يوم بكَيت مَن لا تعرفه
فخَتنت قلبك
بحق يوم ضحَيت
فجلدت


قاوم بحق يوم أدركتَ
أن الكون خُلق من ثورة العدمِ
بحق يوم أدركتَ
أنك ميتٌ والثورة هي القيامة


قاوم بحق يوم أدركتَ عِلة تشابُه أحرُف
المُقاومةِ والقيامَة

vendredi 4 janvier 2013

المملكة الحيوانية


من المنصف إيلاج الجنس البشري ضمن المملكة الحيوانية، وإن كان بدون دقة تنصيبه على رأسها؛ فإن كنتم تعتبرون صعود امريءٍ على سطح القمر وخطوه عليه، أو الغوص ووصول بشريٍ إلى أقاصي بقاع المحيط، أم وجود الشاشة التي تقرأون عنها تلكم الكلمات، والشبكة التي عن طريقها أنشر ما تخطه يدي، أو حتى ذاك المقعد الذي يريح لكم مؤخراتكم هو من التقدم والرقي والتطور، فإليكم عني، حيث مقايسكم الواهية تنأي بعيداً عن إدراكي!
*   *   *



لا أدّعي معرفتي بعلوم الإنثروبولوجي إلا أن عقليّ المتواضع يصور لي أن الصراعات القديمة بدأت من شخصٍ جائعٍ يتقاتل مع بني جنسه على طعام، ثم بعد إكتشاف الزراعة وإمكانية الإستقرار، ينتقل الصراع لمستوى أعلى، أو بالحري أحط، لشخصٍ يبحث عن مأوى فتتعقد الأمور لتدور الصراعات حول الأرض الأكثر خصوبة وملائمة للحياة، ومع زيادة عدد البشر، وظهور ما يسمى شعوب، تنتقل الصراعات نحو توسيع وتحسين الرقعة الحية بالإغارة على المسطحات المجاورة، فتنتعش صناعة الأسلحة، الحل العبقري الجذري السهل، ليستمر الوضع قرنين أو ثلاث بعد الإستقرار المزعوم وسيادة شعوب على شعوب، لنبدأ مرحلة التقسيم العرقي، إن كان للنظرة المشوهة تجاه الآخر أو للمنفعة المرجوة من موته، فتظهر على إثره الحركات الداعية للسلام والمؤاخاة ونبذ التطرف.. إلخ، فترجع وتهدأ الأمور –صورياً- مرة أخرى، لينتقل الصراع لمستوى مختلف، ذاك المستوى الباطن الذي لا يشير إلى نقض المعاهدات الدولية أو حتى البديهيات الإنسانية، بل يظهر للعيان إنه يحميها؛ وهذا مستوى من الإنحطاط لا أظن حتى أن من قدرة البشر أنفسهم مواجهته وإن كان من خَلقِهم، ربما يسعوا لخلق مستويات من الإنحطاط لا تخطر على بال بعد، إلا إنهم لن يتخطوا هذا المستوى بالمعاهدات والجمعيات الخيرية والذي منه، ليضحَى من يناهض هذا النوع –نفسه- مُتّسخاً بطهارته.
*   *   *
سمِ دولة قامت على مذبحة عرق وإستعباد آخر


ما الذي حدث على مدار الخمسون عاماً الماضية على سبيل المثال لا الحصر؟!
الدول الأكثر إستقراراً تبدأ بفرض سيطرتها على الدول الأقل إستقراراً، إن كان بإدعاء الحماية العسكرية أو  للبحث عن مجرم هارب مثلاً، فتقوم بحرب من جل تحقيق السلام، أو عن طريق توطيد ثقافتها – خصوصاً جانبها السلبي- بعمق هوية حضارات هشة لتضمن التبعية العاطفية، وهو ما لا يمكن إثباته أو محاربته بوضوح.

هل الديموقراطية هناك؟
العين بالعين بالعين بالعين بالعين....



أنظر إلى العالم فأجد حتى يومنا هذا من يتنازعون –حرفياً- على الأرض، وهنالك من لا يشعرون بالكفاية من الطعام ليجيروا على جيرانهم في مقابل مادي يبدو كتجارة جيدة لا تعمل في الحقيقة سوى لمصلحة الدولة المستوردة، أرى صراعاً على إثبات من هو الأقوى، ومن هو صاحب الحق، ومن هو الأصلح للقيادة وكلها أزياء يتنكر بها الإحتياج الحيواني لظهور الذكر المسيطر.



الفقر العالمي
سمعت –والعهدة على الراوي- أن المصروف السنوي على الأسلحة من تصنيع وتطوير يعادل سبعة أضعاف ما يحتاجه العالم للقضاء على المجاعات لمدة سنة واحدة، حسناً، دعونا لا نرتبط بالقيل والقال ونلجأ للمنطق؛ بالتأكيد ما ينفق على الأسلحة أكثر مما ينفق على الطعام، فرضاً إنه يساويه أو يضاعفه، فلتعطوني مساحة أيضاً للتفكير اليوتوبياوي الرومانسي الهزيل، وإن كان يستند إلى منطق في نهاية الأمر، لكن ألم يكن الأجدى توجيه المال لتحسين المعيشة العامة للعالم، من تطوير التعليم وإستصلاح أراضي والقضاء على المجاعات وتعمير أراضِ جديدة صالحة للحياة –دون الإضرار برئة العالم؟ إن كنت أتكلم هنا بغير منطق، فبأي منطق تتكلمون؟!! أتعنون ذاك المنطق الذي يعزز ويشد من أزر شخص لديه ما يكفيه من الطعام ويزيد، وبجانبه من يحتضر جوعاً فلا يعطينه خوفاً من نفاد الطعام الأسبوع المقبل؟ ناهيك طبعاً إحتفالات حروب الطعام التي تضيع إثرها منتج يكفي لإنقاذ أكثر من حالة موت ناتج عن سوء التغذية المتفشي في قارات بعينها، وإلقاء طعام المطاعم الفائض في القمامة بشكل جنوني الذي يكفي ثمنه لرفع متوسط معيشة فرد. في بعض الأحيان نقتل ونعتدي على ذلك المحتضر لأنه متوحش، بلا مأوى، غير متعلم، يحقد على عِلية القوم، ويجب القضاء عليه وإخماده –وفي بعض الأحيان نستخدم مصطلح التطهير- بيد أن ما ينقصه في نظر من يلقون على أنفسهم مصطلح صفوة هو ما تؤول إليهم المسئولية فيه؛ فهو في الحقيقة نتاج خزيهم.
*   *   *

تعلم القيادة. ابحث عن عمل. اذهب للعمل. احصل على صديقة.
 انجب. تابع الموضة. كُن طبيعي. امشِ على الرصيف. شاهد التلفاز.
اتبع التعليمات. ادخر لكبر سنك.
الأن كرر ورائي:
"أنا حُــــــــــــــــــــر!"
كل الحروب، هي حروب أهلية
لأن كل البشر إخوة.




كفانا إخفاء لمشاكلنا!


أتسأل، أي مستقبل وأي أمل للجنس البشري؟!
هنالك  أكثر من مليون حالم بتغيير العالم، منهم من لم يتخطَ مرحلة الحلم، ومنهم من تخطاه حتى وصل صيته إلي مسامعنا، منهم من مات وأثره باقِ، إلا أنه لا يكفي، فجوهر العالم لم يتغير، مازال هنالك من يشعر بالرغبة في القتل ليقترب من جسد لا حول له ولا قوة، لينشب مخالبه مصدراً صوت خوار لا يدركه، لأسباب غير معقولة أغلبها يتمحور حور الإختلاف في الرأي، أو أولئك الذين يدّعون الحرية أمام قيود الإستهلاك والعمل والنقود.


إذا كان الله موجود
فأتمنى أن يكون له عذر جيد
أين الله من كل ما يحدث؟!
من الممكن أن أسمع تلك الإجابات الهزيلة الرخوة عن وجود الله في الجمعيات الإنسانية، وفي الأمل الذي يظهر وسط أحلك الظروف، موجود في ذاك الشاب الذي يمد لك يد المساعدة أو تلك الفتاة التي تضمد لك جروحك، لكن أهذا يكفي؟!!
أين أنتَ يا الله من رضيعٍ يُشنق حتى الموت، أو طفل يُحرق حياً، أم من رجل يتلقى رصاصة في جبهته، وإمرأة تغتصب أول من تستغيث به هو أنتَ؟!



أين أنتَ حتى من إنسانٍ يكره؟!
أم إنك بهذا الضعف؟!


لِمَ كبلت ذاتك بقيود إحترام حرية البشر؟
ولِمَ لَم تعد تلك الوعود تملأ فراغ جوفي؟


خلقت الإنسان
وخلقت طرقك
فخلق هو العدم من العدم
واستقى منه
فتلوث


لا أستطيع أن أخاصمك
ولا أستطيع -أيضاً- أن أتفهمك


يا رب..
الإنسان.. لماذا؟!!