jeudi 23 février 2012

يوميات في شوارع (الكيت كات)..!!

ينصح بتشغيل موسيقى فيلم (الكيت كات) قبل بداية المقال بالتزامن مع القراءة عند الضغط هنا.
والعبرة على الراوي.


استيقظت اليوم شاعراً بصداع ٍنصفي، وكنت قد فّوت المحاضرة الأولى وودت لو أفوت الثانية؛ إلا إني بالتأكيد ذهبت إلى الجامعة في ظروف صحية أسوأ.
اعتدلت في جلستي، نظرت في ساعة هاتفي.. شهيق، كتمته لبرهة، ثم زفير، ارتديت خفي الأزرق واغتسلت وغيرت ملابسي، تناولت إفطاري بين تمنيَّ التأخير وبين رغبة في حضور الجامعة.
خرجت من بيتي، استخدمت كوبري (السبع) الذي يصل ما بين (الشرابية) وشارع (رمسيس)، فللكوبري سلمين يؤديان إلى الشارع، الأول لإتجاه (غمرة - رمسيس) والثاني لإتجاه (رمسيس- غمرة) بما تليهما من محطات، فاخترت -بالطبع- ذاك الذي ينتهي بي إلى العباسية حيث كليتي.
نزلت، وأنا مازلت أشعر بالصداع، فوجدت حافلة خالية، إلا إني لم أتحمس لركوبها وقررت إنتظار غيرها، وقفت وألّح عليّ الإستماع إلى مزيكا صافية، فاخترت موسيقى أفلام قديمة كنت قد احتفظت بها على هاتفي، تليها موسيقى (راجح داود) عن فيلم (الكيت كات) الذي أعشقه.
مرت حافلة ثم أخرى، فأزدريهما وأقرر الإنتظار، إلى أن فطنت أن لا فائدة من الإنتظار ثم أن الطريق مزدحم، يزيد عليهما إني مرهق، فنويت الرجوع إلى المنزل.
أثناء مروري على السلم المؤدي إلى اليَمة الأخرى من الشارع، انتباني شوق رهيب إلى النيل بالرغم من أن لا الوقت ولا المناخ كانا مما يحفزاني على النزول أصلاً، إلا إني اكتشفت أن لقدمي إرادة أخرى تختلف عن إرادتي وسرعة في إتخاذ القرار تسبقني، فهأنا ذا أنزل الدرجات ومازلت أفكر فيما الذهاب إلى النيل أو الرحيل.
أول حافلة قابلتني كانت متجهة صوب منطقة (الكيت كات)!
شعرت بإستغراب، ورغبة في زيارة المنطقة ظهرت الآن بعد أن كنت نسيتها عندما كانت تلح عليّ بعد قرائتي لكتاب (مالك الحزين) أو (حكايات من فضل الله عثمان) لـ(إبراهيم أصلان) رحمه الله، أو حتى بعد مشاهدة فيلم (الكيت كات)، إلا أن هذه المرة لم أترك لقدمي القرار عني واستنظرتها، مرت حافلة مرور الكرام أو أقل قليلاً، تليها حافلة متجهة إلى (الكيت كات) فقفزتْ إليها قدمي كالملسوعة!
دخلت لا أنتوي على شيء، أفكر فيما ألاقيه دون حسبان وأفكر فيما ستؤول إليه قدمي اليوم، وأتذكر إستيقاظي المستعد تفكيره للنزول إلى الجامعة يصده صداع.
هل كان ليتخيل مرور صاحب الجسد على منطقةلم يخطط لها؟
لا أعتقد...


أمتنُّ للمفاجآت التي سألاقيها متذكراً صلاتي الومية إلى الله فور الإستيقاظ التي تتلخص في شكره على يوم جديد وتقديم كل أحداث يومي له، صلاتي، أعمالي، ألعابي، أفراحي، وأتعابي، أخصصه له بالقول على أن أذكر نفسي بتخصيصه له بالفعل، ففكرت، إن كنت خصصت لك يومي، فإلى أين تأخذني؟


أسندت رأسي على زجاج النافذة تاركاً الحرية لتعبير التعب أن يطفو على وجهي دون محاولة مني لإخفاءه؛ لتشابهه الدائم مع تعبير الحزن في وجهي –بحسب ما اكتشفته من تعليقات الناس- فكلٌ منشغلٌ في حاله بالحافلة.
نزلت الميدان حيث وزارة الثقافة والنافورة التي تتوسط الميدان، مشيت على يَمة النيل –أو كما يصفوه هناك "البحر"- وجعلت أتنقل ببصري بين صفحة النيل عن يميني وواجهة البيوت عن يساري، تغريني حارة أو اثنتين إلا إني أغض البصر حتى أرى نظرة شمولية للحي أولاً قبيل التعمق.
لمعت في رأسي فكرة إني دائماً ما أرى كوبري (إمبابة) وأعجب به –إن رأيته عن بعد أو استخدمته سريعاً بداخل سيارة- فلما لا أرتقيه؟!
سَرت بجسدي نشوة غريبة كتمتها خوفاً ألا أكون سائراً في الطريق الصحيح صوب الكوبري، إلا إني كنت مصيباً في النهاية.
اقتربت، تأملته عن بعد، تسألت إن كانت منطقة المشاة التي أراها في الأفلام مفتوحة للجميع أم لتصوير الأفلام فقط؟ جاءت الإجابة سريعة إذ رأيت شخص يرتقي درجات سلم جانبي، فتبعته.


رأيت كم هو طويل!
رأيت كم هو منمق وجميل!
رأيت أشكال قوس قزح التي تتوج الكوبري!
ورأيت الممرات الضيقة التي تربط بين ضفتي الكوبري.. فانتشيت!


تخطيت إحداهم ووقفت في عرض الكوبري أتابع السيارات من تحتي، وأعمال الصيانة في خط السكة الحديد فتسألت.. أمازال يعدو قطار على هذه القضبان؟ أو بكلماتٍ أخرى، أمازال ذلك الكوبري قادراً على تحمل بشر وسيارات وقطارات على عاتقه؟
لم تفت برهة حتى أتاتني الإجابة مخيفة، حارقة للوجه؛ مر قطار من تحتي وأنا في ذهول.. أأجري؟ أأثبت في مكاني؟ في النهاية لم تقوَ أقدامي على الحراك حتى تعودتُ الموقف في نهاية القطار، وإن ترك ندبة الهيبة في روحي القلقة.
طفقت أسير بغير هدى على ضفاف الكوبري متنقلاً عبر الممرات واضعاً في أذني اليسرى سماعة الهاتف تخرج من جعبتها موسيقى فيلم (الكيت كات). أرى مراكبي وابنه يصيدون في النيل، ألمس جانبي الأيمن بحثاً عن الكاميرا فأكتشف إني لم أحضرها –بالطبع- فشعرت إني عاري.


نزلت وبدأت المشي في الحواري، أدخل ما يغريني وما يبتعد عن الشوارع الرئيسية، إن كان مسدود، خرجت، واتبعت طريق آخر. جلّ ما لفت إنتباهي عدد أفران الفينو المنتشرة في المنطقة، وأغلب من يمشي بأكياس الطعام البلاستيكي، أجده يحتوي على السميط الكبير.


وتتباين الأفران من سيئة إلى جيدة ثم ممتازة، ليس على مقياس الطعم، إنما على مقياس الإهتمام بالنظافة.
مثلها أيضاً تتباين القهاوي، منها ما يجذبني بإحساس أُلفةٍ لا أدرك كنهه، ومنها ما يطردني يإحساس إزدراء لم أجد له تفسيراً.


حتى المحلات، تحولت من أكشاك قديمة مكسرة إلى محلات ضخمة يبدو على مظهرها الغلاء، فأجد الكشك القديم بجانب المحل العملاق في شارع واحد.
بالمقارنة مع شارعي، فقد قام البقال بتجديد محله الذي لا يتعدى إتساعه إتساع غرفتي، ثم غَير اسمه من محل بقالة إلى ميني ماركت (أبو تامر)!


حتى البشر، وجدت الحاصل على بشلة في وجهه ويعمل سايس سيارات، ووجدت أطفال يعملون بمحال الجزارة، وأطفال لا يعنيهم إلا غناء "الذبابة الملعونة" وتعلم أغنية "لقيت في البنطلون حتة نانا"، وجدت شاب تتناثر من عينيه شرارات ذكاء يقرأ بجريدة مهنته بيع قطع الغيار، وآخر يبدو في وضع مالي أيسر يشير لي على طريق أستخدم فيه المقروبازات.


وأثناء مروري بالشوارع شعرت بتعب مفاجيء، وكنت بجانب قهوة واسعة في شارع (السلام) متفرع من شارع (مراد)، حيث عنوان الشارع دائماً يتوج مقولة فقهية إن لم يكن حديث شريف، جلست، طلبت ما أشربه وجعلت أتابع حديث دار على يميني.
يقف أحد ثلاثتهم ينادي القهوجي
-      حجر (قص) هنا عند (أبو أكرم)..
 باليمين، خد الفلوس باليمين.
يخفض القهوجي يده اليسرى فيمد الأخرى ويلتقط نقود (أبو سيد) الذي يجلس بدوره ليكمل الحوار، إلا أن أتاه إتصال تطلب قيامه وإتجاهه صوب المَكنة فيركبها
-      ربع ساعة كده، أقضي مصلحة وأجي لكم على طول.
ينتهي رجل الولعة من رصّ المعسل في الحجر
-      (أبو أكرم).. أجيب لك الحجر دلوقتي؟
يبتسم (أبو أكرم) ويحُك صلعته، ثم يرجع رأسه إلى الوراء
-      هو أي حد يقول لك تجيب لي حجر، تقوم تجيب لي حجر؟
طب ما أنا لسه بأشرب أهه!
يلقي رجل الولعة بالفحم المشتعل قبل أن يحترق الحجر، ويقترب من (أبو أكرم) بتلك المشية التي تنم عن عرج يحاول إخفاؤه إلا أنه يظهر أثناء أثناء مروره على المطب الصغير أمام القهوة أو أثناء دخوله وخروجه القهوة فوق حجر الرصيف، ينحني، ينزع الحجر المستعمل
-      أنا مش هأتكلم معاك تاني.. كل ما أكلمك تصدني كده، أنا ما بأحبش حد يصدني!
يرمي بقايا الرماد بداخل حنية الفحم ثم يردف مخاطباً القهوجي المشغول عنه بإعداد الطلبات لرواد القهوة القليلون
-      أنا مش كل ما أكلمه يصدني، لا أنا ما اتصدش أنا لأ..
 لا يا عم ما فيش هزار تاني ولا كلام بعد كده، هو يقعد يطلب الحاجة، ياخدها وبس على قد كده.
ينظر بطرف عينه فيجد (أبو أكرم) ينظر في اتجاه مخالف مدّعياً عدم الإهتمام في حين أن شبح الابتسامة مازال يتراقص في عينيه الخضراء وعلى شفاهه التي تعلوها شارب أبيض طفيف.
يحضّر الحجر ويقترب، يهتز كرشه الضخم أثناء عرجته –التي لا مفر منها- يقترب، ينحني ليضع الحجر
-      ما فيش هزار تاني...
يصمت لبرهة، وينظر لـ(أبو أكرم)، ثم يضربه على كرشه الصغير ويمضي ضاحكاً كاشفاً عن أسنان صفراء نخرة وهو يعدل من وضع طاقيته الصوفية.
*    *    *

رجعت وأنا أشعر بطاقة زائدة
كان لابد لها أن تخرج
طاقة تختلجها نشوة عجيبة
نشوة الإكتشاف
نشوة رؤية المميز في العادة
نشوى لا تتسأل عن جدوى يومي أو فائدته
إلا إنها تشعر بجماله
نشوة تستشعر وجود الله في أحداث البشر
*    *    *

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire