تتحرك يد (كريم المغازي) على الماوس الأسود، فتصطبغ يده بالضوء الأزرق الخارج من الشاشة، تتناقل أعينه من خلف زجاج النظارة المستطيلة لتتابع الأخبار بين صورة لشخص محاط بالغاز، وصورة لشخص يمسك بيده قنبلة غاز فارغة بجانب وجهه المغطى بلون أبيض.
ينشر يكتب، يعلق، يكرر التصرف أكثر من مرة وفي النهاية يغلق الجهاز وينقشع الضوء الأزرق عن وجهه، فيقوم، يتجه نحو سريره.. وينام.
* * *
يجري (علاء الخميسي)، يلتفت وراءه، ثم يجري حيث يجره ثقل جسده وليست أقدامه، يجري بينما يستريح جسده في مكانٍ أخر، وفي النهاية يلقي بجسده على السور الأخضر حداء ناصية شارع (محمد محمود)، ويحاول أن يلتقط ما يسبق اخوانه في التقاطه من هواء، يتحامل على السور ويتجه للمستشفى الميداني، يستلقس ويغمض عيناه فيحجب نور الصباح عن مقلتيه.. وينام.
* * *
تتلمس (نهلة عبد العال) نهايات طرحتها الزرقاء، تتحس العقدة في نهاية زاويتها، تتلفت حولها، تجذع لولجود أبخرة حتى تتبين أنها تخرج من غليان الصلصة بالقرب من عربة الكشري التي تسبق عربة البطاطا، تلحظ ذاك الشاب الذي يهتف بعصبية ويحمله هاتفون، تقترب، تسمع، تضحك، تغضب، وفي النهاية تتمتم بهمسات لا تغدو أن تتحول لهتاف مع الصيحة القادمة، إلا إنها تتوقف لدى سماعها صوتٍ آتٍ من مقدمة شارع (محمد محمود) يمتزج بصوت القرع على الصاج الذي يزيد الأمر حدة، فتدير ظهرها وتبدأ في ركض يعززه هروب من حولها إلى أن تسمع صياح نفس الشاب "ثابت.. ثابت"، تتوقف، تلتفت بحذر فترى الميدان وكأن شيئاً لم يحدث، جرى من جرى، لكن مسيرة الشاب وعدد من المحيطين بهم لا يزالوا على موقفهم من الثبات، تشعر بالارتياح إلا أن قلبها لم يشعر بالمثل، وضرباته تزداد سرعة، أتراها نسيت الدواء في الحقيبة الأخرى؟
تنزل على الأرض بجانب الرصيف، تستند بظهرها على سور الصينية، تعتصر قلبها بألم، تغمض عيناها.. وتنام.
* * *
يتقدم (مينا مجدي) من خط التفتيش، يفرد ذراعيه على جانبيه، ممسكاً ببطاقة الرقم القومي، يعتذر له من يفتشه فيرد (مينا) بابتسامة متفهمة، ينحني تحت الخط البرتقالي ويمر، يبدأ بتجهيز حاجياته، خوذة الرأس بحكم عمله في المصانع كمهندس، القناع الواقِ تحسباً للظروف، يحاول الاقتراب من أماكن الهتافات إلا إنه ينقاد إلى الصينية بسبب الزحام، يصعد، ينظر صوب جامع (عمر مكرم) على يمينه، إلا إنه يجَر بيد شخص يلبس بالطو أبيض عن يساره مردداً "محتاجين مساعدة".
ينقاد (مينا) بذهول من فرط الغرابة، إلا إنه يتخذ موقف عداء ما لبث أن تراجع عنه –أو أرجأه- لفهمه للموقف. رأى شباب يحاولون نصب أخشاب لتحويط مستشفى ميداني، ساهم معهم وهو مستاء أولاً، ثم بغير مبالاة، وأخيراً بتحفز لإكمال البناء المكون من الخشب والبلاستيك.
يأتي أول مريض أثناء تثبيت البلاستيك، يتجه صوب (مينا)، يتعثر في اللا شيء ويقع على مقربة منه، فيشير إليه أحد الأطباء بعمل الاسعافات الأولية، بينما يتجه على عجل لإستقبال باقى المرضى.
يرتبك..
أيترك المريض وهو الإنسان، أم يسعفه وهو المهندس؟
يتخبط بين ما يتذكره في الكشافة وبين ما يراه في حلقات المسلسلات الأجنبية، حتى يأتي طبيب وينهره على قلة حيلته، فيغضب (مينا) ويعلن أناماليته بينما الطبيب يطبب المريض.
يخرج (مينا) بغضب باحثاً عن عن مكان آخر للتظاهر، فيسمع من ينادي عليه طلباً في المساعدة، يلتفت فيرى شخص ملقى بجانب المستشفى يلهث طلباً في الهواء، يتلفت (مينا) حوله وينادي بعصبية علَ شخص يسمعه ويساعده إلا أن أحداً لم يأتِ. يقترب منه، يخلع الخوذة، ويبدأ بتقليد الطبيب وهو يسعف المريض السابق، يخبط على ظهر الرجل وإن لم يظهر تحسن سريع يدس في فمه بخاخة ويضغط، يبتعد قليلاً وينتظر، فيبدأ الرجل يالاستفاقة، ينصحة (مينا) بالابتعاد عن مجال الغاز خصوصاً بعد استخدام البخاخة، يأخذ الرجل القناع بدون استئذان (مينا) وبدون إعتراض الأخير.
يسمع صوت خبطات على ظهر مريضٍ آخر دون جدوى، فيدخل المستشفى تاركاً خوذته بالخارج، يأخذ البخاخة ليدسها في فم المريض وينثر الرزاز الخارج منها نحو رئتيه، يتركه ويجول فيقترب منه مريض بجرح في يده، يحاول أن يطببه له بالمطهرات المعتادة، وفي أثناء ذلك يقترب شخص ليرش سائل مطهر في عينيه وسائل أبيض –عرف فيما بعد إنه مكون من الماء والخميرة- على الوجه، وما أن تركه ليستريح حتى اقترب منه شخص مصاب في قدمه اليسرى يحمل صديقه فاقد الوعي، يطلب (مينا) منهم الجلوس بتوتر، يحاول أن يستجدي أحد الأطباء المشغولين لكن بلا جدوى، يقرر ألا يتركه وهو الإنسان، يقترب من المغشى عليه فيلطمه، يكرر بعنف أكثر ثم يطلب من صديقه أن يساعده على إنصابه في وضع الجالس، يجرب محاولات ساذجة من الضغط المتكرر على الصدر مع تكرار اللطم، يصحبه صراخ في الأذن، حتى استفاق أخيراً، اقترب منه طبيب واصطحبه على عجل دون الإشارة بكلمة لـ(مينا) ورحل.
نظر (مينا) للشخص المصاب في قدمه وبدأ في تطهيرها إلا أنه لاحظ عمق الجرح، واتجه صوب أحد الأطباء وصرخ بوجهه أن يساعده، إلا أن من ساعده كان آخرٌ يشاهد الموقف، فادخل الرجل المصاب إحدى الخيم وطلب من (مينا) تثبيت قدم الرجل سريعاً حتى يُخرج ما بها أولاً، احكم (مينا) قبضته على الرجل بدون تفكير، بينما يولج الطبيب ما لا يفهمه (مينا)، ليخرج ما لا يفهمه، ويصرخ الرجل من خلفه لسبب يفهمه.
يخرج (مينا) من الخيمة هو والطبيب، يشعر أن قدميه على تقوى على تحمله، ربما من فرط الأدرينالين، لا يعرف، ينظر صوب الخوذة فلا يجدها، يشيح ببصره في لا مبالاة، يجلس على الأرض الطينية، يفرد جسمه ويشعر بالرطوبة تنسل داخل جسده الهامد، فيغمض عينيه.. وينام.
* * *
يقترب (..... .....) من مكتبه، شاعراً بأهمية الكلمات التي تخرج من قلمه في اللحظة الراهنة، يشعر بالإمتنان لإئتمانه على كتابة الخطاب، يجلس ويتذكر تلك المكالمة حين وصل إلى مسمعه ذاك الصوت الرخيم، يطلب منه بكل الجدية والإحساس بالمسؤولية كتابة الخطاب المعلن عنه في وسائل الإعلان، يشخص ببصره ويتذكر كل كلمة خرجت من فم الصوت، يغلق باب غرفته، يفتحه مرة أخرى ويطلب من أبناءه إخفاض صوت التلفاز الذي يعرض لقطات ضرب وسحل العسكر للمتظاهرين، يغلق الباب وكأن شيئاً لم يكن، تجاهله أبناءه، فتجاهل التلفاز، أشعل سيجارة، وبدأ يفكر في النقاط الأساسية مع التأكيد على استخدام الكلمات المعبرة عن الاحساس العميق الكامن في نية الصوت " لم نطمح.. لم نسعى.. ضبط النفس.. إستعداد تام للتخلي.. استفتاء شعبي.. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء"، خط النقاط على مسودة وهَم لكتابة الخطاب، لكن تشتت إنتباهه أصوات الصراخ الآتية من التلفاز، إلا إنه يأخذ نفساً عميقاً يعيد به القوة لتركيزه، وكلما تكرر الموقف، كرر هو دفاعه، حتى أكمل الخطاب بقوة إصراره في النهاية.
خط آخر كلمة ووضع آخر نقطة في الخطاب ثم قرأه كاملاً لأول مرة، عدل فيه ما عدل ، وقرأه للمرة الأخيرة، تذوقه واستطعم حلاوته، فارسله بحماسة طفل انهى واجب معلمه المفضل، ثم اتجه إلى المطبخ واعد كوب دافيء من الشاي باللبن الذي يعشقه، جلس أمام التلفاز ليشاهد الصوت وهو يخرج ويقرأ الخطاب الذي خطته يده هو، فشعر بالفخر، وفي نهاية الخطاب رأى أنه يستحق قسطاً من الراحة، فدخل غرفته، استلقى على السرير، نظر نحو السقف وابتسم برضا متمنياً المزيد من الخطابات في المستقبل، وأغمض عينيه..ونام.
* * *
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire