من المنصف إيلاج الجنس
البشري ضمن المملكة الحيوانية، وإن كان بدون دقة تنصيبه على رأسها؛ فإن كنتم
تعتبرون صعود امريءٍ على سطح القمر وخطوه عليه، أو الغوص ووصول بشريٍ إلى أقاصي
بقاع المحيط، أم وجود الشاشة التي تقرأون عنها تلكم الكلمات، والشبكة التي عن طريقها
أنشر ما تخطه يدي، أو حتى ذاك المقعد الذي يريح لكم مؤخراتكم هو من التقدم والرقي
والتطور، فإليكم عني، حيث مقايسكم الواهية تنأي بعيداً عن إدراكي!
* * *
لا أدّعي معرفتي بعلوم الإنثروبولوجي إلا أن عقليّ المتواضع يصور لي أن الصراعات القديمة بدأت من شخصٍ جائعٍ يتقاتل مع بني جنسه على طعام، ثم بعد إكتشاف الزراعة وإمكانية الإستقرار، ينتقل الصراع لمستوى أعلى، أو بالحري أحط، لشخصٍ يبحث عن مأوى فتتعقد الأمور لتدور الصراعات حول الأرض الأكثر خصوبة وملائمة للحياة، ومع زيادة عدد البشر، وظهور ما يسمى شعوب، تنتقل الصراعات نحو توسيع وتحسين الرقعة الحية بالإغارة على المسطحات المجاورة، فتنتعش صناعة الأسلحة، الحل العبقري الجذري السهل، ليستمر الوضع قرنين أو ثلاث بعد الإستقرار المزعوم وسيادة شعوب على شعوب، لنبدأ مرحلة التقسيم العرقي، إن كان للنظرة المشوهة تجاه الآخر أو للمنفعة المرجوة من موته، فتظهر على إثره الحركات الداعية للسلام والمؤاخاة ونبذ التطرف.. إلخ، فترجع وتهدأ الأمور –صورياً- مرة أخرى، لينتقل الصراع لمستوى مختلف، ذاك المستوى الباطن الذي لا يشير إلى نقض المعاهدات الدولية أو حتى البديهيات الإنسانية، بل يظهر للعيان إنه يحميها؛ وهذا مستوى من الإنحطاط لا أظن حتى أن من قدرة البشر أنفسهم مواجهته وإن كان من خَلقِهم، ربما يسعوا لخلق مستويات من الإنحطاط لا تخطر على بال بعد، إلا إنهم لن يتخطوا هذا المستوى بالمعاهدات والجمعيات الخيرية والذي منه، ليضحَى من يناهض هذا النوع –نفسه- مُتّسخاً بطهارته.
* * *
سمِ دولة قامت على مذبحة عرق وإستعباد آخر |
ما الذي حدث على مدار الخمسون
عاماً الماضية على سبيل المثال لا الحصر؟!
الدول الأكثر إستقراراً
تبدأ بفرض سيطرتها على الدول الأقل إستقراراً، إن كان بإدعاء الحماية العسكرية
أو للبحث عن مجرم هارب مثلاً، فتقوم بحرب
من جل تحقيق السلام، أو عن طريق توطيد ثقافتها – خصوصاً جانبها السلبي-
بعمق هوية حضارات هشة لتضمن التبعية العاطفية، وهو ما لا يمكن إثباته أو محاربته
بوضوح.
أنظر إلى العالم فأجد حتى
يومنا هذا من يتنازعون –حرفياً- على الأرض، وهنالك من لا يشعرون بالكفاية من
الطعام ليجيروا على جيرانهم في مقابل مادي يبدو كتجارة جيدة لا تعمل في الحقيقة
سوى لمصلحة الدولة المستوردة، أرى صراعاً على إثبات من هو الأقوى، ومن هو صاحب
الحق، ومن هو الأصلح للقيادة وكلها أزياء يتنكر بها الإحتياج الحيواني لظهور الذكر
المسيطر.
الفقر العالمي |
سمعت –والعهدة على الراوي-
أن المصروف السنوي على الأسلحة من تصنيع وتطوير يعادل سبعة أضعاف ما يحتاجه العالم
للقضاء على المجاعات لمدة سنة واحدة، حسناً، دعونا لا نرتبط بالقيل والقال ونلجأ
للمنطق؛ بالتأكيد ما ينفق على الأسلحة أكثر مما ينفق على الطعام، فرضاً إنه يساويه
أو يضاعفه، فلتعطوني مساحة أيضاً للتفكير اليوتوبياوي الرومانسي الهزيل، وإن كان
يستند إلى منطق في نهاية الأمر، لكن ألم يكن الأجدى توجيه المال لتحسين المعيشة
العامة للعالم، من تطوير التعليم وإستصلاح أراضي والقضاء على المجاعات وتعمير
أراضِ جديدة صالحة للحياة –دون الإضرار برئة العالم؟ إن كنت أتكلم هنا بغير منطق،
فبأي منطق تتكلمون؟!! أتعنون ذاك المنطق الذي يعزز ويشد من أزر شخص لديه ما يكفيه
من الطعام ويزيد، وبجانبه من يحتضر جوعاً فلا يعطينه خوفاً من نفاد الطعام الأسبوع
المقبل؟ ناهيك طبعاً إحتفالات حروب الطعام التي تضيع إثرها منتج يكفي لإنقاذ أكثر
من حالة موت ناتج عن سوء التغذية المتفشي في قارات بعينها، وإلقاء طعام المطاعم
الفائض في القمامة بشكل جنوني الذي يكفي ثمنه لرفع متوسط معيشة فرد. في بعض
الأحيان نقتل ونعتدي على ذلك المحتضر لأنه متوحش، بلا مأوى، غير متعلم، يحقد على عِلية
القوم، ويجب القضاء عليه وإخماده –وفي بعض الأحيان نستخدم مصطلح التطهير- بيد أن ما
ينقصه في نظر من يلقون على أنفسهم مصطلح صفوة هو ما تؤول إليهم المسئولية فيه؛ فهو
في الحقيقة نتاج خزيهم.
* * *
تعلم القيادة. ابحث عن عمل. اذهب للعمل. احصل على صديقة. انجب. تابع الموضة. كُن طبيعي. امشِ على الرصيف. شاهد التلفاز. اتبع التعليمات. ادخر لكبر سنك. الأن كرر ورائي: "أنا حُــــــــــــــــــــر!" |
كل الحروب، هي حروب أهلية لأن كل البشر إخوة. |
كفانا إخفاء لمشاكلنا! |
أتسأل، أي مستقبل وأي أمل
للجنس البشري؟!
هنالك أكثر من مليون حالم بتغيير العالم، منهم من لم
يتخطَ مرحلة الحلم، ومنهم من تخطاه حتى وصل صيته إلي مسامعنا، منهم من مات وأثره
باقِ، إلا أنه لا يكفي، فجوهر العالم لم يتغير، مازال هنالك من يشعر
بالرغبة في القتل ليقترب من جسد لا حول له ولا قوة، لينشب مخالبه مصدراً صوت خوار
لا يدركه، لأسباب غير معقولة أغلبها يتمحور حور الإختلاف في الرأي، أو أولئك الذين
يدّعون الحرية أمام قيود الإستهلاك والعمل والنقود.
إذا كان الله موجود فأتمنى أن يكون له عذر جيد |
أين الله من كل ما يحدث؟!
من الممكن أن أسمع تلك
الإجابات الهزيلة الرخوة عن وجود الله في الجمعيات الإنسانية، وفي الأمل الذي يظهر
وسط أحلك الظروف، موجود في ذاك الشاب الذي يمد لك يد المساعدة أو تلك الفتاة التي
تضمد لك جروحك، لكن أهذا يكفي؟!!
أين أنتَ يا الله من رضيعٍ
يُشنق حتى الموت، أو طفل يُحرق حياً، أم من رجل يتلقى رصاصة في جبهته، وإمرأة
تغتصب أول من تستغيث به هو أنتَ؟!
أين أنتَ حتى من إنسانٍ
يكره؟!
أم إنك بهذا الضعف؟!
لِمَ كبلت ذاتك بقيود
إحترام حرية البشر؟
ولِمَ لَم تعد تلك الوعود
تملأ فراغ جوفي؟
خلقت الإنسان
وخلقت طرقك
فخلق هو العدم من العدم
واستقى منه
فتلوث
لا أستطيع أن أخاصمك
ولا أستطيع -أيضاً- أن
أتفهمك
يا رب..
الإنسان.. لماذا؟!!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire