بدايةً أحتاج أن أنوه أن
لا صلة بيني وبين البت في أحكام الشرائع والأديان، ومن ثم لا يحق لي التحدث باسم
أي دين حتى وإن كنت مارست واحد –بوعي وبغير وعي- على مدار 22 سنة، وبدأت دراسته منذ
أربع سنين، إلا أن ما أكتبه هو من منطلق تأملات شخصية بحتة!!
* * *
تمت تربية أغلبنا في مناخ
تنافعي يبحث ويدقق عن المكسب والربح الآيل إليه جراء كل فعل حسنٌ كان أو سيء،
"ادي عمو بوسة عشان تاخد الشوكولاتة!!" أو "عيب، ما
تقولشِ كده عشان بابا مايزعق لكش وماما ماتضربكش!!" فاقتصرت علاقتنا
بذوينا على أكبر تحصيل للشوكولاتة والحلوى، وأكبر تجنب للتعنيف لفظي كان أو جسدي.
وفي سن أكبر بدأت قيمة
الحلوى في الإنحدار كمرغب، واللامبالاة تجاه التعنيف بدأت في الإزدياد، وبالتالي
نحتاج عمو أكبر يملك ما يرغبون فيه وما يرهبهم أيضاً، فلنقل إذاً... العمو
المطلق، "كل الأكل عشان ربنا يحبك وتخش الجنة" وأيضاً "اسمع
الكلام عشان ربنا ما يزعلش منك ويدخلك النار"، لتنمو فينا بدورها روح
المنفعة من الله؛ والنتجية إننا كما تناسينا أن نقيم علاقة حب غير مشروط مع ذوينا
في وسط زخم المنفعة، وركزنا على المحفز، فأننا أيضاً تناسينا إقامة علاقة جادة مع
الله أغلب الوقت، فلم ترَ عيوننا سوى شوكولاتة الله وتعنيفه!!
ومن الطبيعي إذاً أن يتحول
دعاءنا من "اللهم زدني بقربك" إلى "يا رب قنا عذاب النار"
ومن "لا تنزع وجهك عنا يا الله" إلى "يا رب اسكنا ملكوتك"،
مما يطرح أمامنا عدة أسئلة
-
ما هي الوسيلة وما هي الغاية؟ وما هو الفرق بينهما –إن وجد
في نظرتك؟
-
ما الفرق بين الغاية والنتيجة الطبيعية المترتبة على
بلوغها –إن لاحظت وجوده؟
*
* *
ثمة قصتان سمعتهما في
الصغر ما يزال صداهما يرتج في ثنايا عقلي حتى الآن؛ الأولى كانت للقديسة (تريزا)،
قيل إنها صلَّت فقالت فيما معناه: "يا رب إن كنت أحبك طمعاً في الجنة، فلا
تسمح لي بإدراكها والقني في النار، وإن كنت أحبك خشيةً من النار، فلا تسمح لي
برؤية نعيم جنتك!"
وفي سن أكبر –وإن كنت لم
أتخطَ مرحلة المدرسة بعد- سمعت القصة الثانية وهي تنسب للمتصوفة (رابعة العدوية)
إذ قيل، والعهدة على الراوي، أنه تم رؤيتها تمشي الهويني وفي يد دلو مملوء بالماء
وفي الأخرى مشعل، فسؤلت عما تبحث وفيما إحتياجها لغرضين متضادين لا حاجة لها بهما
في نظر السأل، فأجابت: "أنا أبحث عن الجنة فأحرقها وعن النار فأطفئها،
لئلا يعبد الناسُ الله طمعاً في الجنة أو خوفاً من النار، إنما له وحده عز جلاله!"
* * *
لا يمكن الإدعاء أن تكوين
العلاقات هدفه الرئيسي هو التنزه معهم مثلاً، إذ أن النُزَه هي النتيجة الطبيعية لوجود
علاقة وليس العكس، وبالمثل لا يمكن الإدعاء أن الإبقاء على العلاقات وتجنب
المشاحنات هدفه الرئيسي إتقاء شر أصدقائي، وإنما مراعاةً لمشاعرهم التي أحترمها
وأقدرها؛ وبالتالي فهناك فرق كبير بين الغاية والنتيجة المترتبة على بلوغ
الغاية، فإما أن أحب من هم في دائرة علاقاتي، فأسعي أنا أكون بقربهم، أو إني أسعى
أن أكون بقربهم وأنسى أن أحبهم وأقيم علاقة معهم.
أي إني إما أسعى لهدف مغذي
يملأني وينميني، أو إني أسعى لهدف خاوٍ لا يروي، وفي النهاية يترك فيّ إحساس دائم
بالعطش لا ينميني، بالرغم من إني أرى صورتي في المرآة وأنا أشرب، والناس تراني
وأنا أشرب بل وتعضدني.. إلا إني في قرارة نفسي لا أرتوي حقاً.
* * *
أظن أن الإيمان يبدأ بدلو
ماء أطفيء به خوفي من النار، وعود ثقاب أجرف به شوقي إلى الجنة، بينما يتحول دعائي
من "اللهم ادخلني فسيح جناتك، ولا تسمح بدخولي النار حيث البكاء وصرير
الأسنان" إلى "يا رب زدني علماً بك وشجاعة الإقتراب!!"
* * *
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire