عرفنا فيما عرف التاريخ أن
هنالك شخص بـ(تونس) قام بإضرام النار في نفسه إثر صفعة تلقاها من شرطية حاولت التحفظ
على عربة الفاكهة التي تنوله رزقه كبائع جائل، كما منّ علينا التاريخ بخبر موت
شابٍ بالأسكندرية بين سببين إما إبتلاعه للفافة بانجو بحسب الإعلام الرسمي لوزارة
الداخلية أو نتيجة لتعذيب مخبري الداخلية له لرفضه تبعات قانون الطواريء بحسب
أقوال أهله وبعض أصدقائه، إلا أن السؤال هو، ما معنى موت هذا أو ذاك؟! ما معنى موت
أكثر من 1500 شخص غرقوا أو فقدوا في نفس السنة (2011) عند محاولتهم لعبور البحر
الأبيض المتوسط في محاولة بائسة منهم للهجرة غير الشرعية؟! ما معنى موت الآلاف
بمرض السرطان سنوياً؟! ما معنى أن تفقد أخت أو أخ أو أب أو أم أو أي عزيزٍ كان؟!
الإجابة هي لاشيء، لا معنى له!
قد تكون الإجابة قاسية لكن
لا معنى لموت (البوعزيزي) ولا معنى لموت (خالد سعيد) ولا معنى لآلاف الأشخاص الذين
يموتون هرباً من الواقع أو ضحية مرض، أيضاً لا معنى لموت قريبك الذي رحل عنك، أو
عزيزك الذي فارقك؛ قمة في العبث هو الموت كما هي قمة في العبث هي الحياة وأحداث
البشر.
ما هو المعنى وما هو
العبث؟
المعنى يا عزيزي هو أن
تبحث عنه بنفسك بينما العبث هو أن تريح مؤخرتك المترهلة مكتفياً بالحكم على الأمور
بأنها عبث.
كاد أن يمر موت
(البوعزيزي) برزيلة العبث، لولا من قام بإيجاد المعنى في موت (البوعزيزي) كشرارةٍ
للثورة، وكاد موت (خالد سعيد) أن يخمل في بوطقة العبث لولا تسلمه لشرارة المعنى من
قرينه التونسي، أيضاً موت عزيزك كان ليؤول دون معنى لولا وجودك وإعطاءك لموته
وحياته معنى، وإلا لمات حقاً.
معنى ما نمر به من احداث
هو مدى إستيعاب قدراتنا على إيجاد المعنى في الأشياء، فإن نتركها بلا معنى
اغتلناها بقسوة أشد من الحقيقة نفسها، وإن أجدنا لها المعنى تغذت عليه من إيماننا
بها.
ما هي الأنانية؟
إن كانت الأنانية هي حب
الذات فلك أيها الأناني ألفت نظرك أن حبك لذاتك وتوفير سبل الراحلة لدائرتك الضيقة
لا يخلو من حب البلد، إذ لا يمكن تشكيل دائرتك الضيقة بلا مساهمة في الوطن، فيصعب
على قاطن مقابع القمامة أن يحظى بنسيمٍ عَطِر إلا إن بدل بيئته، فحتى الأناني إن
عاش أنانيته ملء الحياة لأصبح أشدنا وطنية، فمن أنت؟!
وبالتبعية ما هو الأمل
وما هو اليأس؟ وما الفرق بين اليأس والخيانة؟
الأمل هو إيمانك بإمكانية
تحقيق مستقبلٍ أوسع حتى وإن كان نابعاً من حبك لذاتك وحدها، فإن فهمت معنى حبك
لذاتك فقط حق الفهم لأصبحت أكثرنا بذلاً لذاته من أجل الآخرين، أما اليأس هو تخليك
عن الإيمان –أم أن الإيمان هو من تخلى عنك لعدم تشبثك أنت به- فحتى نفسك لم تعرف
أن تحبها، وإن لم يكن عدم محبة الذات والعمل عكس مصلحتها هو الخيانة فما هي؟!
تابع أغلبنا بشغف موقف سحل
المواطن (حمادة)، ولم نتعَد الغضب تصرفاً، ثم فوجئنا بموت (الجندي) متأثراً بآثار
التعذيب، فلم نتعَد الصياح في المنزل فعلاً، حتى أن أغلبنا لم يعرف أن هناك من
سبقه موتاً، فهنالك (سامح محروس فودة) بقسم شرطة شبرا الخيمة في 16 أغسطس 2012،
و(عاطف المنسي) بقسم شرطة ميت غمر في 16 سبتمبر 2012، و(محمد إسماعيل عزام) بقسم
شرطة طهطا بسوهاج في 24 سبتمبر 2012، و(سامح أحمد فرج) بقسم شرطة الوراق في 14 يناير
2012 وغيرهم، فلم نقُم حتى بالإنتباه مجهوداً!
الإنسان هو من يعطي
للأشياء معنى، الإنسان هو من يعطي للأحداث معنى، وبالتبعية فإن مر ما حدث من سحل
مواطن وتعريته، وتعذيب أفضى إلى موت لأكثر من شاب، المعروف منهم والمطموسة سيرته،
أو ذاك الصبي المحجوز الذي ينتهكه سرطان العظام قبل ظلم الداخلية مر الكرام أو حتى
أقل قليلاً، فإننا جردناهم من المعنى ومن ثَم اغتلناهم أشد قسوة مما قاسوه هو،
وظلمناهم أشد ظلماً من ظالميهم، فالثورة هي من أعطى المعنى لموت (البوعزيزي)
و(خالد سعيد) وغيرهم، والمعنى هو من أعطاهم الحياة حتى الآن، فالثورة لا تنفصل عن
الحياة، بل الثورة هي الحياة.
اعط معنى
ثُر
عِش
ولا تخف
فالموت ليس النهاية
* * *
المقاومة هي الحل.
* * *